العودة   قبيلة العرماني > مجالس عرمان العامة > المجلس الإسلامي > السيرة النبوية
 

السيرة النبوية سيرة النبي صلى الله عليه وسلم - زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن - وصحابته رضي الله عنهم

« آخـــر الـــمــواضيـع »
         :: غليص ولد رماح (آخر رد :آبن درهوم)       :: نظام المزامنة من المنارة سوفت (آخر رد :الاء وليد)       :: جهاز كشف المعادن من المجموعة الاوروبية (آخر رد :الاء وليد)       :: اكثر الصحابيات رواية للحديث (آخر رد :الاء وليد)       :: فضائل القيام في الشهر الكريم (آخر رد :الطاف)       :: من فنون الرد وسرعة البديهه (آخر رد :روضة حنان)       :: عمل يسير وأجر كبير (آخر رد :شروق مصطفى)       :: حقائق غريبة (آخر رد :روضة حنان)       :: إترك بصمتك وتأكد أنها لن تغيب حتى وإن غاب صاحبها (آخر رد :نورحمدي نور)       :: فوائد الفشار للتخسيس (آخر رد :بدور احمد)      

إضافة رد
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-29-2010, 05:32 AM   #1 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن





تكريمًا للرفعة والمنزلة، وتتويجًا للفضل والعطاء، وتقديرًا للدور العظيم في مسيرة الدعوة الإسلامية، جاءت الكنية "أُمَّهات المؤمنين" لتكون وسامًا على صدور زوجات رسول الله اللائي تزوَّج بهن، وذلك في نحو قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية عليهن تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته لهن، وهو الحكم الوارد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وقبل الحديث عن أمهات المؤمنين الطاهرات، وحكمة الزواج بهن، نردُّ على شبهةٍ سقيمة طالما أثارها أعداء الإسلام من الصليبيين الحاقدين والغربيين المتعصِّبين بين الحين والآخر، يريدون بذلك النيل من نبي الإسلام ، ومفادها أن النبي كان شهوانيًّا محبًّا للنساء، ساعٍ في قضاء شهوته ونيل رغباته منهن، وذلك استنادًا إلى تعدُّد زوجاته !
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الرسول لم يكن رجلاً شهوانيًّا، وإنما كان بشرًا نبيًّا، تزوَّج كما يتزوَّج بنو الإنسان، وعدَّد كما عدَّد غيره من الأنبياء، ولم يكن بِدْعًا من الرسل حتى يخالف سُنَّتَهم أو ينقض طريقتهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد: 38]. وليس أوضح في ذلك ممَّا جاء في التوراة من أن سليمان u -على سبيل المثال- تزوَّج مئات من النساء.
فليس غريبًا ولا عجيبًا أن يحبَّ الرسول المرأة ويقيم معها عَلاقة طبيعيَّة وَفق ضوابط تشريعيَّة عظيمة، يقول العقاد: "ونحن قبل كل شيء لا نرى ضيرًا على الرجل العظيم أن يحبَّ المرأة ويشعر بمتعتها، هذا سواءٌ في الفطرة لا عيب فيه، وهذه النفس السويَّة يمكننا أن نفهمها بجلاء حين نرى أن المرأة لم تشغله عما تشغل المرأة الرجل المفرط في معرفة النساء عن مهامِّ الأمور والقيام بالأعباء الجسام... فمهما قال هؤلاء فلن يستطيعوا أن ينكروا أن محمدًا قد حقَّق ما لم يحقِّقه بشر قبله ولا بعده، لم يشغله عن هذا شيء، لا امرأة ولا غير امرأة، فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت له أن يعطي الدعوة حقَّها، ويعطي المرأة حقَّها، فالعظمة رجحان وليست بنقص، وهذا الاستيفاء السليم كمال وليس بعيب"[1].
وبدراسة حياته وسيرته نجد أن زواجه من أُمَّهات المؤمنين كان بعيدًا كل البعد عن الاستسلام للنزوات الجنسيَّة والانغماس باللَّذة، على عكس ما ذهب إليه المستشرقون المغرضون، يقول العقاد: "قال لنا بعض المستشرقين: إن تسع زوجات لدليل على فرط الميول الجنسيَّة. قلنا: إنك لا تصف السيِّد المسيح بأنه قاصر الجنسيَّة لأنه لم يتزوَّج قطُّ، فلا ينبغي أن تصف محمدًا بأنه مفرط الجنسيَّة لأنه جمع بين تسع نساء"[2].
ولو أمعنَّا النظر في سيرته في مرحلة ما قبل الزواج لوجدنا أنه كان مثالاً في العفَّة والطهارة، وأمَّا بعد الزواج فنجد أنه لم يُعَدِّد زوجاته إلاَّ بعد أن تجاوز خمسين عامًا من عمره، كما نجد أن جميع زوجاته الطاهرات كُنَّ ثيبات (أرامل)، ما عدا السيدة عائشة -رضي الله عنها- فكانت بكرًا، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوَّجها وهي في حالة الصبا والبكارة.
ومن ذلك ندرك وبكل سهولة تفاهة هذه الشبهة، وبطلان ذلك الادّعاء الذي ألصقه أعداء الإسلام بالرسول ؛ إذ لو كان المراد من الزواج هو الشهوة أو مجرَّد الاستمتاع بالنساء لتزوَّج في سنِّ الشباب لا في سنِّ الشيخوخة، ولكان تزوَّجَ الأبكار الشابَّات لا الأرامل المسنَّات.
ولا شكَّ أن هذا يدفع كل تقوُّل وافتراء، ويدحض كل شبهة وبهتان، ويردُّ على مَن يريد أن ينال من قدسية الرسول أو يشوِّه سمعته، فما كان زواج الرسول بقصد الهوى أو الشهوة، وإنما كان لحِكَمٍ جليلة، وغايات نبيلة، وأهداف سامية سنعلمها في حينها، تتلخَّص في التضحية العظيمة، ومصلحة الدعوة والإسلام.
وقد شهد ببطلان تلك الشبهة المنصفون الغربيون، فها هو لايتنر[3] يقول: "لما بلغ السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوَّج امرأة عمرها أربعون عامًا، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عامًا في أوربا، وهي أوَّل من آمن برسالته المقدَّسة... وبقيت خديجة -رضي الله عنها- معه عشرين عامًا لم يتزوَّج عليها قَطُّ حتى ماتت. ولما بلغ من العمر خمسًا وخمسين سنة صار يتزوَّج الواحدة بعد الأخرى، لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف، فلا ريب أن لزواجه بسنِّ الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدَّق بها كُتَّاب النصارى بهذا الخصوص، وما هي تلك الأسباب يا تُرى؟ ولا ريب هي شفقته على نساء أصحابه الذين قُتِلُوا..."[4].
وتقول الكاتبة الإيطالية لورافيشيا فاغليري[5]: "إن محمدًا طَوَال سنين الشباب التي تَكُون فيها الغريزة الجنسيَّة أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج كمؤسسة اجتماعية مفقودًا أو يكاد، وحيث كان تعدُّد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود، لم يتزوَّج إلاَّ من امرأة واحدة ليس غير؛ هي خديجة التي كانت سنُّها أعلى من سنِّه بكثير، وأنه ظلَّ طَوَال خمس وعشرين سنة زوجها المخلصَّ المحبَّ، ولم يتزوَّج مرَّة ثانية وأكثر من مرَّة إلاَّ بعد أن تُوُفِّيت خديجة، وإلاَّ بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي؛ ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتي تزوَّجهن إلى تكريم النسوة المتَّصفات بالتقوى، أو إلى إنشاء عَلاقات زوجيَّة مع بعض العشائر والقبائل الأخرى؛ ابتغاء طريق جديد لانتشار الإسلام، وباستثناء عائشة ليس غير، تزوج محمد من نسوة لم يَكُنَّ لا عذارى، ولا شابَّات، ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟ لقد كان رجلاً لا إلهًا، وقد تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أيضًا إلى الزواج من جديد؛ لأن الأولاد الذين أنجبتهم خديجة له كانوا قد ماتوا. ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض بأعباء أسرة ضخمة، ولكنه التزم دائمًا سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعًا، ولم يلجأ قَطُّ إلى اصطناع حقِّ التفاوت مع أي منهن. لقد تصرَّف متأسِّيًا بسُنَّة الأنبياء مثل موسى وغيره، الذين لا يبدو أن أحدًا من الناس يعترض على زواجهم المتعدِّد. فهل يكون مردُّ ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليوميَّة، على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد العائلية؟!"[6].
وإذا ما انتفت تلك الشبهة فإنَّا نعود إلى أُمَّهات المؤمنين، زوجات النبي ، نتعرَّف عليهنَّ، ونتناول سيرتهنَّ، ونبدأ بأوَّل امرأة تزوَّجها رسول الله ، وهي شريفة قريش، وأمِّ المؤمنين: خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها.

_________________________
[1] عباس محمود العقاد: عبقرية محمد 56-158.
[2] المصدر السابق 56.
[3] لايتنر Lightner باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854م، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية، والتقى برجالاتها وعلمائها.
[4] لايتنر: دين الإسلام 2، 13.
[5] لورافيشيا فاغليري: باحثة إيطالية في التاريخ الإسلامي واللغة العربية، من مؤلفاتها: قواعد العربية، والإسلام، ودفاع عن الإسلام.
[6] لورافيشيا فاغليري: دفاع عن الإسلام ص99، 100.



 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:33 AM   #2 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

اسمها وشرف نسبها

هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسدٍ بن عبد العزَّى بن قصي القرشية الأسدية، وأمها فاطمة بنت زائدة بنت جندب. ولدت بمكة سنة 68 ق.هـ، وكانت من أعرق بيوت قريشٍ نسبًا وحسبًا وشرفًا، وقد نشأت على التخلُّق بالأخلاق الحميدة، وكان من صفاتها الحزم والعقل والعفة. يلتقي نسبها بنسب النبي في الجد الخامس، فهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، وهي أول امرأة تزوَّجها، وأول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين.

في الجاهلية


في الجاهلية وقبل لقاء رسول الله كانت خديجة -رضي الله عنها- امرأة ذات مال وتجارة رابحة، فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم بها إلى الشام، ومرت الأيام ووصل إلى مسامعها ذكر "محمد بن عبد الله" كريم الأخلاق، الصادق الأمين، وكان قلَّ أن تسمع في الجاهلية بمثل هذه الصفات، فأرسلت إليه وعرضت عليه الخروج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار.

وحينها قَبِل ذلك منها ، وخرج في مالها ومعه غلامها "ميسرة" حتى قدم الشام، وهناك نزل رسول الله في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب، فاطّلع الراهب إلى ميسرة وقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قَطُّ إلا نبي. ثم باع رسول الله سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، ولما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فربح المال ضعف ما كان يربح أو أكثر.

وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته المتميزة التي وجدها فيه أثناء الرحلة، فرغبت في الزواج منه، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة.

وكان قد قُدِّر لخديجة -رضي الله عنها- أن تتزوج مرتين قبل أن تتشرَّف بزواجها من رسول الله ، وقد مات عنها زوجاها، وتزوجها رسول الله قبل الوحي، وعاشت معه خمسًا وعشرين سنة؛ فقد بدأ معها في الخامسة والعشرين من عمره، وكانت هي في الأربعين، وظلا معًا إلى أن توفاها الله وهي في الخامسة والستين، وكان عمره في الخمسين، وهي أطول فترة أمضاها النبي مع هذه الزوجة الطاهرة من بين زوجاته جميعًا، وهي -وإن كانت في سن أمِّه - أقرب زوجاته إليه؛ فلم يتزوج عليها غيرها طوال حياتها، وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية رضي الله عنها، فكان له منها : القاسم وبه كان يُكنَّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.

إسلامها


كانت خديجة -رضي الله عنها- قد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبُّل الحق، فحين نزل على رسول الله في غار حراء {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، رجع ترجف بوادره وضلوعه، حتى دخل على خديجة فقال: "زملوني زملوني". فزملوه حتى ذهب عنه الروع.

وهنا قال لخديجة رضي الله عنها: "أَيْ خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي". وأخبرها الخبر، فردت عليه خديجة -رضي الله عنها- بما يطيِّب من خاطره، ويهدئ من روعه فقالت: "كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

ثم انطلقت به رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل -وهو ابن عم خديجة رضي الله عنها، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي- فأخبره النبي خبر ما رأى، فأعلمه ورقة أن هذا هو الناموس الذي أُنزل على موسى u.

ومن ثَمَّ كانت خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن بالله ورسوله وصدَّق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله ؛ لا يسمع شيئًا يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرَّج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهوِّن عليه أمر الناس.

خديجة.. العفيفة الطاهرة


كان أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي العفة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حرامًا ولا حلالاً، في بيئة تفشت فيها الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن.

وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بـ"الطاهرة"، كما لُقب أيضًا في ذات البيئة بـ"الصادق الأمين"، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.

خديجة.. الحكيمة العاقلة


وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة -رضي الله عنها- وصفتها بـ"الحزم والعقل"، كيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت به في أمور تجارتها، وكانت قد عرفت عنه الصدق والأمانة.

ثم كان ما جاء في أبلغ صور الحكمة، وذلك حينما فكرت في الزواج منه ، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه؛ إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية دسيسًا عليه بعد أن رجع من الشام؛ ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها.

ونرى منها بعد زواجها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قلَّ أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات؛ فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر. وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة! ويا لها من حكيمة!

خديجة.. نصير رسول الله


وهذه السمة من أهم السمات التي تُميِّز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله ، ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسول وآزرته ونصرته في أحلك اللحظات التي قلما تجد فيها نصيرًا أو مؤازرًا أو معينًا.

ثم هي -رضي الله عنها- تنتقل مع رسول الله من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، فلم يزدها ذلك إلا حبًّا لمحمد وحبًّا لدين محمد ، وتحديًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه، والتفاني في تحقيق أهدافه.

فلما خرج رسول الله مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردد -رضي الله عنها- في الخروج مع رسول الله لتشاركه -على كبر سنها- أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها، فقد نَأَتْ بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وكأنها عادت إليها صباها، وأقامت في الشعاب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى.

وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سندًا وعونًا للرسول في إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتَمة، فكما اجتبى الله U رسوله محمد واصطفاه من بين الخلق كافة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية مَن تضارعه أو تشابهه لتكون شريكًا له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، فآنسته وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسول في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة.

فضائلها


خير نساء الجنة


لا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسول يعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالك t أن النبي قال: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون".

يقرئها ربها السلام


ليس هذا فحسب، بل يُقرِئُها المولى U السلام من فوق سبع سموات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة؛ فعن أبي هريرة t أنه قال: أتى جبريلٌ النبيَّ فقال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".

حب النبي لخديجة.. والوفاء لها


فكان حقًّا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رسول الله ، تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصَّة؛ إذ لم يتنكَّر لهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها؛ وفاءً لها وردًّا لاعتبارها: "إني قد رزقت حبها".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها؛ تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة رضي الله عنها، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: "إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد".

وفاتها


تاقت روح السيدة خديجة -رضي الله عنها- إلى بارئها، وكان ذلك قبل هجرته إلى المدينة المنورة بثلاث سنوات، ولها من العمر خمس وستون سنة، وأنزلها رسول الله بنفسه في حفرتها، وأدخلها القبر بيده.

وتشاء الأقدار أن يتزامن وقت وفاتها والعام الذي تُوفِّي فيه أبو طالب عم رسول الله ، الذي كان أيضًا يدفع عنه ويحميه بجانب السيدة خديجة رضي الله عنها؛ ومن ثَمَّ فقد حزن الرسول ذلك العام حزنًا شديدًا حتى سُمي "عام الحزن"، وحتى خُشي عليه ، ومكث فترة بعدها بلا زواج.




 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:33 AM   #3 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



سودة بنت زمعة رضي الله عنها

كان رحيل السيدة خديجة رضي الله عنها مثير أحزان كبرى في بيت النبي ، وخاصَّة أن رحيلها تزامن مع رحيل عمِّه أبي طالب -كما سبق أن أشرنا- حتى سُمِّي هذا العام بعام الحزن.

وفي هذا الجو المعتم حيث الحزن والوَحدة، وافتقاد مَنْ يرعى شئون البيت والأولاد، أشفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، فبعثوا إليه خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- امرأة عثمان بن مظعون t تحثُّه على الزواج من جديد.
وهنا جاءته خولة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله، ألا تتزوَّج؟
فقال: "ومَنْ؟"
قالت: إنْ شئتَ بكرًا، وإنْ شئتَ ثيِّبًا.
فقال: "ومَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟"
قالت: أمَّا البكر فابنة أحبِّ خلق الله إليك، عائشة رضي الله عنها، وأما الثيِّب فسودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك.
قال: "فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ".
فانطلقت السيدة خولة -رضي الله عنها- إلى السيدة سودة، فقالت: ما أدخل الله عليك من الخير والبركة!
قالت: وما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله أخطبك إليه.
قالت: وَدِدْتُ، ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له. وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السنُّ قد تخلَّف عن الحجِّ، فدخلت عليه، فحيَّته بتحية الجاهليَّة، فقال: مَنْ هذه؟
قالت: خولة بنت حكيم.
قال: فما شأنك؟
قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة.
فقال: كفء كريم، ما تقول صاحبتك؟
قالت: تحبُّ ذلك.
قال: ادعيها إليَّ. فدعتها.
قال: أيْ بُنَيَّة، إنَّ هذه تزعم أنَّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبكِ، وهو كفء كريم، أتحبِّين أنْ أزوِّجَكِ به؟
قالت: نعم.
قال: ادعيه لي.
فجاء رسول الله فزوَّجها إيَّاه.
فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحجِّ، فجاء يحثي على رأسه التراب. فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوَّج رسول الله سودة بنت زمعة[1].
وهي بعدُ: أمُّ المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أمِّ عبد المطلب، تزوَّجها قبل رسول الله ابن عمٍّ لها هو: السكران بن عمرو بن عبد شمس، أخو سهل وسهيل وسليط وحاطب، ولكلهم صحبة، وهاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها[2].
فأمست السيدة سودة -رضي الله عنها- بين أهل زوجها المشركين وحيدة لا عائل لها ولا معين؛ حيث أبوها ما زال على كفره وضلاله، ولم يزل أخوها عبد الله بن زمعة على دين آبائه، وهذا هو حالها قبل زواج الرسول منها.
وتعدُّ السيدة سودة أوَّل امرأة تزوَّجها الرسول بعد خديجة، وكانت قد بلغت من العمر حينئذٍ الخامسة والخمسين، بينما كان رسول الله في الخمسين من عمره، ولما سمع الناس في مكة بأمر هذا الزواج عجبوا؛ لأن السيدة سودة لم تكن بذات جمال ولا حسب، ولا مطمع فيها للرجال، وقد أيقنوا أنه إنما ضمَّها رفقًا بحالها، وشفقة عليها، وحفظًا لإسلامها، وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة، وكأنهم علموا أنه زواج تمَّ لأسباب إنسانيَّة.
وتُطالعنا سيرة السيدة سودة -رضي الله عنها- بأنها قد جمعت ملامح عظيمة وخصالاً طيبة، كان منها أنها كانت معطاءة تُكْثِر من الصدقة، حتى إنَّ عمر بن الخطاب t بعث إليها بغِرارة[3] من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم. قالت: في غرارة مثل التمر؟ ففرَّقتها بين المساكين.
وقد وَهَبَتْ رضي الله عنها يومها لعائشة؛ ففي صحيح مسلم أنها: "لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ: يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ"[4].
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: "مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلاَخِهَا[5] مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ مِنِ امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ[6]"[7].
وقد ضمَّتْ إلى تلك الصفات لطافةً في المعشر، ودعابةً في الرُّوح؛ مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي ، فقد روى ابن سعد في طبقاته عن إبراهيم، قال: قالت سودة لرسول الله : صليت خلفك البارحة فركعت بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم. قال: فضحك. وكانت تُضحكه الأحيان بالشيء[8].
وفاتها:
توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت -رضي الله عنها- سنة 54هـ. [9].

[1] ابن كثير: السيرة النبوية 2/142-143.
[2] ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/381.
[3] الغِرارة: وعاء تُوضع فيه الأطعمة، انظر: ابن منظور: لسان العرب، 5/11، والمعجم الوسيط ص 648.
[4] البخاري: كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك (4914)، ومسلم واللفظ له: كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (1463).
[5] المِسلاخ: الجلد، ومعناه: أن أكون أنا هي. شرح النووي على مسلم 5/ 198.
[6] لم تُرِد عائشة -رضي الله عنها- عيب سودة بذلك، بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة. انظر: شرح النووي على مسلم 5/ 198.
[7] مسلم: كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (1463).
[8] الطبقات الكبرى 8/54.
[9] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/721.
مقدمة

هي سودة بنت زمعة بن قيس العامرية القرشية أم المؤمنين (ت 54هـ/ 674م)، وهي أول امرأة تزوجها النبي بعد خديجة رضي الله عنها، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو النجارية.
إسلامها

أسلمت قديمًا وبايعت، وكانت عند ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو، وأسلم أيضًا، وهاجروا جميعًا إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها، وقيل: مات بالحبشة، فلما حلت خطبها رسول الله وتزوجها.
زواجها من النبي :

عن ابن عباس قال كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو -أخي سهيل بن عمرو- فرأت في المنام كأن النبي أقبل يمشي حتى وطئ على عنقها، فأخبرت زوجها بذلك، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لأموتَنَّ وليتزوجنك رسول الله . فقالت: حجرًا وسترًا (تنفي عن نفسها ذاك). ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرًا انقضَّ عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبرت زوجها، فقال: وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرًا حتى أموت، وتتزوجين من بعدي. فاشتكى السكران من يومه ذلك، فلم يلبث إلا قليلاً حتى مات وتزوجها رسول الله .
قالت خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون: (أيْ رسول الله، ألا تزوج؟ قال: "مَنْ؟" قلت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال: "فَمَنِ الْبِكْرُ؟" قلت: ابنة أحب خلق الله إليك: عائشة بنت أبي بكر. قال: "وَمَنِ الثَّيِّبُ؟" قلت: سودة بنت زمعة بن قيس، آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه. قال: "فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلََيَّ". فجاءت فدخلت بيت أبي بكر...
ثم خرجتُ فدخلتُ على سودة، فقلتُ: يا سودة، ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة!
قالت: وما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله أخطبك عليه.
قالت: وَدِدْتُ، ادخلي على أبي فاذكري ذلك له.
قالت: وهو شيخ كبير قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه، فقلت: إن محمد بن عبد الله أرسلني أخطب عليه سودة.
قال: كفء كريم، فماذا تقول صاحبتك؟
قالت: تحب ذلك.
قال: ادعيها. فدعتها، فقال: إن محمد بن عبد الله أرسل يخطبك وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوجك؟
قالت: نعم.
قال: فادعيه لي. فدعته، فجاء فزوَّجها إياه.
موقف أخيها عندما تزوجها رسول الله :

عن عائشة قالت: تزوج رسول الله سودة بنت زمعة، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال بعد أن أسلم: إني لسفيه يوم أحثو في رأسي التراب أن تزوج رسول الله بسودة بنت زمعة.
من ملامح شخصيتها

حبها للصدقة:


عن عائشة قالت: اجتمع أزواج النبي ذات يوم فقلنا: يا رسول الله، أيُّنا أسرع لحاقًا بك؟
قال: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فأخذنا قصبةً نذرعها، فكانت سودة بنت زمعة بنت قيس أطولنا ذراعًا. قالت: وتوفي رسول الله فكانت سودة أسرعنا به لحاقًا، فعرفنا بعد ذلك أنما كان طول يدها الصدقة، وكانت امرأة تحب الصدقة.
فطنتها:

آثرت بيومها حب رسول الله تقربًا إلى رسول الله، وحبًّا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك، مؤثرة -رضي الله عنها- لرضا رسول الله ؛ فعن عائشة أن سودة وهبت يومها وليلتها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول الله .
وعن النعمان بن ثابت التيمي قال: قال رسول الله لسودة بنت زمعة: "اعتَدِّي". فقعدت له على طريقه ليلة، فقالت: يا رسول الله، ما بي حب الرجال ولكني أحب أن أُبعث في أزواجك، فأرجعني. قال: فرجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مواقفها مع الرسول

عن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: قُدِم بأُسَارى بدر وسودة بنت زمعة زوج النبي عند آل عفراء في مَنَاخِهِمْ على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهم الحجاب، قالت: قُدِم بالأسارى فأتيتُ منزلي، فإذا أنا بسهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه، فلما رأيته ما ملكت نفسي أن قلت: أبا يزيد، أُعطيتم ما بأيديكم! ألا مُتُّمْ كِرامًا! قالت: فوالله ما نبهني إلا قول رسول الله من داخل البيت: "أَيْ سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ؟" قلت: يا رسول الله، والله ما ملكت نفسي حيث رأيت أبا يزيد أنْ قلتُ ما قلتُ.
وعن ابن عباس قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله، ماتت فلانة. يعني الشاة، فقال: "فَلَوْلاَ أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا". فقالت: نأخذ مسك شاة قد ماتت. فقال لها رسول الله : "إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]، فَإِنَّكُمْ لاَ تَطْعَمُونَهُ إِنْ تَدْبُغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ". فَأَرْسَلَتْ إليها فسلختْ مَسْكها فدبغته، فاتخذتْ منه قربةً حتى تخرَّقتْ عندها.
وعن عائشة قالت: استأذنت سودة بنت زمعة رسول الله أن يأذن لها فتدفع قبل أن يدفع، فأذن لها -وقال القاسم: وكانت امرأة ثبطة، أي ثقيلة- فدفعتْ وحُبِسنا معه حتى دفعنا بدفعه. قالت عائشة: فلأن أكون استأذنت رسول الله كما استأذنت سودة فأدفع قبل الناس، أحبُّ إليَّ من مفروحٍ به.
مواقفها مع الصحابة

موقفها مع عمر t:


روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعدما ضُرِب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأتْ راجعة ورسول الله في بيتي وإنه ليتعشَّى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر: كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفِع عنه وإنَّ العرق في يده ما وضعه، فقال: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ".
موقفها مع السيدة عائشة رضي الله عنها:

قالت عائشة: دخلت على سودة بنت زمعة فجلست ورسول الله بيني وبينها وقد صنعت حريرة، فجئت بها فقلت: كُلِي. فقالت: ما أنا بذائقتها. فقلت: والله لتأكلين منها أو لألطخَنَّ منها بوجهك. فقالت: ما أنا بذائقتها. فتناولت منها شيئًا فمسحت بوجهها، فجعل رسول الله يضحك وهو بيني وبينها، فتناولتْ منها شيئًا لتمسح به وجهي، فجعل رسول الله يخفض عنها رُكْبته وهو يضحك لتستقيد مني، فأخذت شيئًا فمسحت به وجهي ورسول الله يضحك.
موقفها مع السيدة عائشة والسيدة حفصة:

عن خُليسة مولاة حفصة في قصة حفصة وعائشة مع سودة بنت زمعة، ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج، فاختبأت في بيتٍ كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال: "مَا شَأْنُكُمَا؟" فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهب إليها فقالت: يا رسول الله، أخرج الدجال؟ فقال: "لاَ، وَكَأَنْ قَدْ خَرَجَ". فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت.
بعض ما روته عن النبي

روى البخاري بسنده عن سودة زوج النبي ، قالت: "ماتتْ لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شَنًّا".
وعنها رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج. قال: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، قُبِلَ مِنْهُ؟" قال: نعم. قال: " فَاللَّهُ أَرْحَمُ، حُجَّ عَنْ أَبِيكَ".
وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : "يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ". فقلت: يبصر بعضنا بعضًا؟ فقال: "شُغِلَ النَّاسُ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]".
وعنها رضي الله عنها: أنها نظرت في رَكْوة فيها ماء، فنهاها رسول الله عن ذلك وقال: "إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ الشَّيْطَانَ".
أثرها في الآخرين

ممَّن روى عنها من صحابة النبي عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير بن العوام y جميعًا، وممَّن روى عنها من التابعين يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن، ويوسف بن الزبير، ومولى الزبير بن العوام.
وفاتها رضي الله عنها

توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت -رضي الله عنها- سنة 54هـ.

من مراجع البحث:

** الطبقات الكبرى .............. ابن سعد.
** أسد الغابة .................... ابن حجر.
** البداية والنهاية ................. ابن كثير.





 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:34 AM   #4 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



حفصة بنت عمر رضي الله عنها


هي حفصة[1] بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عدي بن كعب بن لؤي (18 ق. هـ- 45 هـ/ 604- 665م)، وأُمُّها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب.
وُلِدَتْ حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي بخمس سنين، وحفصة -رضي الله عنها- أكبر أولاد عمر بن الخطاب t؛ فقد ورد أن حفصة أسنُّ من عبد الله بن عمر، وكان مولدها قبل الهجرة بثمانية عشر عامًا[2].
حياتها قبل النبي :

تزوَّجت حفصة -رضي الله عنها- من خُنَيْس بن حذافة السهمي، وقد دخلا الإسلام معًا، ثم هاجر خُنَيْس t إلى الحبشة في الهجرة الأولى، التي كانت مكوَّنة من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، يرأسهم عثمان بن عفان t ومعه السيدة رقيَّة ابنة رسول الله ، ثم هاجر خُنَيْس بن حُذافة t مع السيدة حفصة –رضي الله عنها- إلى المدينة، وقد شهد مع رسول الله بدرًا، ولم يشهد من بني سهم بدرًا غيره، وقد تُوُفِّيَ t متأثِّرًا بجروح أُصيب بها في بدر[3].
زواجها من النبي :

وبعد وفاة زوجها t يرأف أبوها عمر بن الخطاب t بحالها، ثم يبحث لها عن زوج مناسب لها، فيقول t: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصة، وقلتُ: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. قال: سأنظر في أمري. فلبثتُ لياليَ ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا. قال عمر: فلقيتُ أبا بكر، فقلتُ: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. فصمت أبو بكر، فلم يُرْجِع إليَّ شيئًا، فكنت أَوْجَد عليه منِّي على عثمان، فلبثتُ ليالي، ثم خطبها رسول الله ، فأنكحتها إيَّاه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حين عرضتَ علَيَّ حفصة، فلم أُرجع إليك شيئًا؟ فقلتُ: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ علَيَّ إلاَّ أنِّي كنتُ علمتُ أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله ، ولو تركها رسول الله لقبلتُها[4].
وقد تزوَّج رسول الله حفصة في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا، قبل أُحُد، وقيل: تزوَّجها رسول الله في سنة ثلاث من الهجرة[5].
حفصة في بيت النبي :

اشتهرت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بالغَيرة على رسول الله بين زوجاته الأخريات، والغَيرة في المرأة أمر من الأمور الملازمة لطبيعتها وشخصيَّتها، خاصَّة إذا كانت لها في زوجها ضرائر، فكل واحدة منهن تريد أن تستحوذ عليه بحبِّها وعطفها وقربها، وأن يكون لها دون سواها؛ لذا فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها: أن نساء النبي كنَّ حزبين؛ حزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفيَّة، وسودة، وحزب فيه: أُمُّ سلمة، وسائر أزواج النبي [6]، وقد جاء في سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]، أن مارية القبطيَّة المصريَّة أُمَّ ولد النبي إبراهيم، قد أصابها النبي في بيت السيدة حفصة t وفي يومها، فوجَدت حفصة في نفسها، فقالت: يا رسول الله لقد جئتَ إليَّ بشيء ما جئتَه إلى أحد من أزواجك، في يومي وفي دوري وعلى فراشي. فقال : "أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدًا؟" قالت حفصة رضي الله عنها: بلى. فحرَّمها رسول الله ، وقال: "لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ". فذكرته لعائشة -رضي الله عنها– فأظهره الله عليه، فأنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1- 4]، ثم كفَّر النبي عن يمينه، وأصاب مارية[7].
وقد كانت حفصة -رضي الله عنها- كسائر نساء النبي تتقرَّب إليه بما يحبُّه ، وتسأله النفقة والمال، فعن ابن عباس t أنه كان يريد أن يسأل عمر بن الخطاب t عن قول الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- لعمر بن الخطاب t: فكنتُ أهابك. فقال: سلني عمَّ شئتَ، فإنَّا لم نكن نعلم شيئًا حتى تعلَّمْنَا. فقلتُ: أخبرني عن قول الله U: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4]، مَنْ هما؟ فقال: لا تسأل أحدًا أعلم بذلك منِّي، كنَّا بمكة لا يكلم أحدُنا امرأَتَه إنما هُنَّ خادم البيت، فإذا كان له حاجة سَفَع[8] برجليها فقضى منها حاجته، فلمَّا قدمنا المدينة تعلَّمْنَ من نساء الأنصار، فجعلْنَ يكلِّمننا ويراجعننا، وإنِّي أَمَرْتُ غلمانًا لي ببعض الحاجة، فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا. فقمتُ إليها بقضيب فضربتها به، فقالت: يا عجبًا لك يابن الخطاب تريد ألاَّ تكلّم! فإن رسول الله يكلِّمنه نساؤه. فخرجتُ فدخلتُ على حفصة، فقلتُ: يا بنيَّة، انظري، لا تكلِّمي رسول الله في شيء، ولا تسأليه؛ فإن رسول الله ليس عنده دنانير ولا دراهم يعطيكهن، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني...[9].

الغَيْرة في حياة السيدة حفصة رضي الله عنها:


أوَّلاً: غيرتها من مارية القبطيَّة رضي الله عنها:
في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]، قال الطبري: اختَلَف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جلَّ ثناؤه أحلَّه لرسوله، فحرَّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم: كان ذلك مارية[10] في يومها وفي حجرتها[11]. مملوكته القبطيَّة، حَرَّمَهَا على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلب بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته؛ لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول الله
ثانيًا: غيرتها من السيدة صفيَّة رضي الله عنها:
عن أنس قال: بلغ صفيَّة أن حفصة قالت: صفيَّة بنت يهودي. فبكت، فدخل عليها النبي وهي تبكي فقال: "مَا يُبْكِيَكِ؟" قالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي. فقال النبي : "إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟" ثم قال: "اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ"[12].
ثالثًا: غيرتها من السيدة سودة رضي الله عنها:
عن رزينة مولاة رسول الله أن سودة اليمانيَّة جاءتْ عائشةَ تزورها وعندها حفصة بنت عمر، فجاءت سودة في هيئة وفي حالة حسنة، عليها بُرد من دروع اليمن وخمار كذلك، وعليها نقطتان مثل العدستين من صبر وزعفران إلى موقها -قالت عليلة[13]: وأدركتُ النساءَ يتزيَّنَّ به- فقالت حفصة لعائشة: يا أم المؤمنين اتقي! يجيء رسول الله وهذه بيننا تبرق. فقالت أُمُّ المؤمنين: اتَّقي الله يا حفصة. فقالت: لأفسدَنَّ عليها زينتها. قالت: ما تَقُلْنَ؟ وكان في أذنها ثِقَلٌ، قالت لها حفصة: يا سودة، خرج الأعور. قالت: نعم. ففزعت فزعًا شديدًا، فجعلت تنتفض، قالت: أين أختبئ؟ قالت: عليكِ بالخيمة -خيمة لهم من سعف يختبئون فيها- فذهبت فاختبأت فيها، وفيها القذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله وهما تضحكان لا تستطيعان أن تتكلَّما من الضحك، فقال: "مَاذَا الضَّحِكُ؟" ثلاث مرَّات، فأومأتا بأيديهما إلى الخيمة، فذهب فإذا سودة ترعد، فقال لها: "يَا سَوْدَةُ، مَا لَكِ؟" قالت: يا رسول الله، خرج الأعور. قال: "مَا خَرَجَ وَلَيَخْرُجن، مَا خَرَجَ وَلَيَخْرُجن". فأخرجها، فجعل ينفض عنها الغبار ونسيج العنكبوت[14].
رابعًا: غيرتها من السيدة عائشة رضي الله عنها:
عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك؛ تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى. فركبتْ، فجاء النبي إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلتْ رجليها بين الإِذْخر[15] وتقول: يا ربِّ سلِّط علَيَّ عقربًا أو حيَّة تلدغني، ولا أستطيعُ أن أقول له شيئًا[16].
خامسًا: غيرة أمهات المؤمنين منها:
عن عائشة قالت: كان رسول الله يحِبُّ الحَلوى والعَسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فَغِرْتُ، فسألتُ عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عُكَّة عَسَل، فسقت النبي منه شربة. فقلتُ: أما والله لنحتالَنَّ له. فقلتُ لسودة بنت زَمْعَةَ: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلتَ مغَافير[17]؟ فإنه سيقول لك: "لاَ". فقولي له: ما هذه الريح التي أجد؟ فإنه سيقول لك: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ". فقولي: جَرَسَتْ[18] نحلُه العُرفُطَ. وسأقول ذلك، وقولي أنت له يا صفية ذلك. قالت: تقول سودة: والله ما هو إلاَّ أن قام على الباب، فأردتُ أن أباديه بما أمرتِنِي فرقًا منكِ. فلمَّا دنا منها، قالت له سودة: يا رسول الله، أكلتَ مغافير؟ قال: "لاَ". قالت: فما هذه الريح التي أجد منكَ؟ قال: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ". قالت: جَرَسَت نَحلُه العرفطَ. فلمَّا دار إليَّ قلتُ نحو ذلك، فلمَّا دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلمَّا دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: "لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ". قالت: تقول سودة: والله لقد حَرَمْنَاه. قلتُ لها: اسكتي[19].
وعن أنس قال: كان النبيُّ عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أُمَّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربَتِ التي هو في بيتها يد الخادم فسقطَت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غَارَتْ أُمُّكُمْ". ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصَحْفَة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا[20]، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرَتْ[21].
طلاقها من النبي ورجوعها إليه:

طَلَّقَ النبي السيدة حفصة -رضي الله عنها- فلمَّا علم عمر بن الخطاب t بطلاقها، حثى على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد اليوم؛ فعن قيس بن زيد: أن النبي طلَّق حفصة بنت عمر تطليقة، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلَّقني عن سبع[22]. وجاء النبي فقال: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ؛ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ"[23].
قصة الإنفاق:

عن جابر t قال: أقبل أبو بكر t يستأذن على رسول الله والناس ببابه جلوس، والنبي جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أُذِنَ لأبي بكر وعمر فدخلا، والنبي جالس وحوله نساؤه، وهو ساكت، فقال عمر: لأكلمَنَّ النبي لعله يضحك. فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت ابنة زيد -امرأة عمر- سألتني النفقة آنفًا، فوجأتُ عنقها. فضحك النبي حتى بدا ناجذه، وقال: "هُنَّ حَوْلِي يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ". فقام أبو بكر t إلى عائشة ليضربها، وقام عمر t ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله ، فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده. قال: وأنزل الله U الخيار، فبدأ بعائشة، فقال: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قالت: وما هو؟ فتلا عليها: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ...} [الأحزاب: 28] الآية، قالت عائشة رضي الله عنها: أفيكَ أستأمر أبويَّ؟! بل أختار الله ورسوله، وأسألك ألاَّ تذكر لامرأة من نسائك ما اخترتُ. فقال: "إِنَّ اللَّهَ U لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا، لاَ تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا"[24]. إلى حفصة، كلاهما يقولان: تسألان النبي
اهتمام النبي بتعليمها:

عن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علَيَّ رسول الله وأنا عند حفصة، فقال لي: "ألا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ[25] كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ؟"[26].
وفي الحديث إشارة واضحة إلى أن السيدة حفصة -رضي الله عنها- كانت متعلمة للكتابة، وهو أمر نادر بين النساء في تلك الفترة الزمنيَّة الممتدة في عمق الزمن، ومما أعان على توفُّر العلم لدى السيدة حفصة -رضي الله عنها- وجودها في هذا المحضن التربوي بين أزواج النبي ، حيث اتصال السماء بالأرض، وتتابع نزول الوحي بالرسالة الخاتمة على الرسول الكريم .
وقد نتج عن هذا كله أن لُقِّبت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بحارسة القرآن، وكانت إحدى أهمِّ الفقيهات في العصر الأوَّل في صدر الإسلام، وكثيرًا ما كانت تُسأل فتجيب رضي الله عنها وأرضاها.
حياتها ومواقفها بعد النبي :

بعد وفاة النبي لزمت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بيتها، ولم تخرج منه إلاَّ لحاجة، وكانت هي وعائشة -رضي الله عنهما- يدًا واحدة، فلمَّا أرادت عائشة الخروج إلى البصرة، همَّت حفصة -رضي الله عنها- أن تخرج معها، وذلك بعد مقتل عثمان t، إلاَّ أن عبد الله بن عمر tt: "يا أبتاه ما يحزنك؟! وفادتك على ربٍّ رحيم، ولا تبعة لأحد عندك، ومعي لك من البشارة لا أذيع السرَّ مرَّتين، ونعم الشفيع لك العدل، لم تَخْفَ على الله خشنة عيشتك، وعفاف نهمتك، وأخذك بأكظام المشركين والمفسدين في الأرض"[27]. حال بينها وبين الخروج، وقد كانت -رضي الله عنها- بليغة فصيحة، قالت في مرض أبيها عمر بن الخطاب
مشاركتها في الأحداث:

ذكر ابن الجوزي في أحداث سنة ستٍّ وثلاثين أن طلحة والزبير انطلقوا إلى حفصة، فقالت: رأيِي تبعٌ لرأي عائشة[28]. حتى إذا لم يبقَ إلاَّ الخروج، قالوا: كيف نستقلُّ وليس معنا مال نجهز به الناس؟ فقال يعلى بن أمية: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها. فقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهَّزوا بها.
فنادى المنادي: إن أمَّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب، ولم يكن له جهاز؛ فهذا جهاز وهذه نفقة. فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى مَنْ كان له مركب -وكانوا جميعًا ألفًا- وتجهَّزوا بالمال، ونادوا بالرحيل، واستقلُّوا ذاهبين.
وأرادت حفصة الخروج، فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت، وبعثت إلى عائشة تقول: إن عبد الله حال بيني وبين الخروج. فقالت: يغفر الله لعبد الله[29].
حديثها:

روت -رضي الله عنها- عن رسول الله وأبيها عمر بن الخطاب t ستِّين حديثًا، اتَّفق البخاري ومسلم على ثلاثة، وانفرد مسلم بستَّة، وقد روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين؛ كأخيها عبد الله، وابنه حمزة، وزوجته صفية بنت أبي عبيد، وحارثة بن وهب، والمطلب بن أبي وداعة، وأمُّ مبشر الأنصارية، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن صفوان بن أمية، والمسيِّب بن رافع... وغيرهم، ومسندها في كتاب بقيّ بن مخلد ستُّون حديثًا[30].
ومن أهمِّ ما تُرِكَ عندها صحائف القرآن الكريم، التي كُتبت في عهد أبي بكر الصديق t بإشارة من عمر بن الخطاب t، وقد اعتمد عثمان بن عفان t على صحائف القرآن الكريم التي كانت موجودة عندها -رضي الله عنها- في كتابة مصحف واحد للأمصار الإسلاميَّة.
وفاتها:

تُوُفِّيَتْ -رضي الله عنها- في شعبان سنة 45هـ، على أرجح الروايات، فقد قيل: سنة سبع وعشرين للهجرة في خلافة عثمان t. وإنما جاء اللَّبس؛ لأنه قيل: إنها تُوُفِّيَتْ في العام الذي فُتحت فيه إفريقيَّة، وقد بدأ فتحها في عهد عثمان، ثم تَمَّ الفتح عام 45هـ، والراجح أنها تُوُفِّيت عام 45هـ؛ لأنها أرادت أن تخرج مع عائشة -رضي الله عنها- إلى البصرة بعد مقتل عثمان t، وكان ذلك في حدود عام 36هـ، كما ذُكر من قبلُ، فرضي الله عنها وأرضاها.

____________________________
[1] حفصة: هي الرخمة، وهو طائر شبيه بالنسر، وقد تكون أنثى الولد من الأسد. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حفص 7/16.
[2] المباركفوري: الرحيق المختوم ص70-71، ومسانيد أمهات المؤمنين 03.
[3] برهان الدين الحلبي: السيرة الحلبية 3/314، وابن سيد الناس: عيون الأثر 2/384.
[4] الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 11/184.
[5] ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/81.
[6] رواه الطبراني في المعجم الكبير (18661).
[7] الشوكاني: فتح القدير 5/251.
[8] سفع بناصيته ورجله: جذب وأخذ وقبض. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة سفع 8/156.
[9] رواه الطبراني في الأوسط (8764).
[10] مارية بنت شمعون القبطية، أم إبراهيم، ومن سراري النبي ، مصرية الأصل، أهداها المقوقس القبطي (سنة 7هـ) للنبي ، فولدت له إبراهيم u، وماتت في خلافة عمر t بالمدينة ودُفِنَتْ بالبقيع.
[11] ابن جرير الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 23/475.
[12] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/407، والحديث رواه الترمذي (3894)، وصححه الألباني.
[13] هي عليلة بنت الكميت الأزدية، راوية الحديث.
[14] مسند أبي يعلى (7003)، والطبراني: المعجم الكبير 18/16، والهيثمي: مجمع الزوائد 4/578، 579.
[15] الإذخر: نبات طيب الرائحة، تعيش فيه الهوام. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 9/311.
[16] البخاري: كتاب النكاح، باب القرعة بين نسائه إذا أراد سفرًا (4913)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (6451).
[17] المَغافِير: صمغ طعمه حلو يسيل من شجر العرفط، غير أن رائحته ليست بطيِّبة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة غفر 5/25.
[18] جَرَسَتْ نَحْلُه العُرْفُطَ: أَي أَكلتْ ورَعَتْ، والعُرْفُطُ شجر. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة جرس 6/35.
[19] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/161، والبخاري: كتاب الطلاق، باب "لم تحرم ما أحل الله لك" (4967)، ومسلم: كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرَّم امرأته ولم ينو الطلاق (4967).
[20] في بعض الروايات أنها السيدة حفصة رضي الله عنها، وأن التي غارت منها هي السيدة عائشة رضي الله عنها.
[21] البخاري: كتاب النكاح، باب الغيرة (4927)، وأبو داود (3567)، وأحمد (12046).
[22] ذُكرت هكذا في السمط السمين للطبري، ولعلها شبع أو شنع والمقصود بها (البغض أو العيب أو النقص).
[23] البوصيري: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 7/251،
[24] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/403، ومسلم: كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاق إلا بالنية (1478).
[25] النملة: قروح تخرج في الجنبين وهو داء معروف، وسُمِّي نملة لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تدبُّ عليه وتعضه. انظر: ابن منظور: لسان العرب 11/678.
[26] أبو داود: كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى (3887)، وأحمد (27140)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (178).
[27] عمر رضا كحالة: أعلام النساء 1/275.
[28] وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- ترى الخروج إلى البصرة.
[29] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 5/80، 81، وابن كثير: البداية والنهاية 7/237.
[30] الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/227، 228، والزركلي: الأعلام 2/265.





 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:35 AM   #5 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها

اسمها وشرف نسبتها

هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي ، وأشهر نسائه. ولدت -رضي الله عنها- سنة تسع قبل الهجرة، كنيتها أم عبد الله، ولُقِّبت بالصِّدِّيقة، وعُرِفت بأم المؤمنين، وبالحميراء لغلبة البياض على لونها. وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية -رضي الله عنها- التي قال فيها رسول الله : "من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان".

حالها في الجاهلية


ولدت عائشة -رضي الله عنها- في الإسلام ولم تدرك الجاهلية، وكانت من المتقدمين في إسلامهم؛ فقد روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج رسول الله قالت: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين".

قصة زواجها من النبي


في بيت الصدق والإيمان ولدت، وفي أحضان والدَيْنِ كريمين من خيرة صحابة رسول الله تربت، وعلى فضائل الدين العظيم وتعاليمه السمحة نشأت وترعرعت. وقد تمت خطبتها لرسول الله وهي بنت سبع سنين، وتزوجها وهي بنت تسع؛ وذلك لحداثة سنها، فقد بقيت تلعب بعد زواجها فترة من الزمن.

روي عنها أنها قالت: دخل عليَّ رسول الله وأنا ألعب بالبنات، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان. فضحك.

وقد أحب رسول الله خطيبته الصغيرة كثيرًا، فكان يوصي بها أمها أم رومان قائلاً: "يا أم رومان، استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها". وكان يسعده كثيرًا أن يذهب إليها كلما اشتدت به الخطوب، وينسى همومه في غمرة دعابتها ومرحها.

وبعد هجرة الرسول إلى المدينة، لحقته العروس المهاجرة إلى المدينة المنورة، وهناك اجتمع الحبيبان، وعمّت البهجة أرجاء المدينة المنورة، وأهلت الفرحة من كل مكان؛ فالمسلمون مبتهجون لانتصارهم في غزوة بدر الكبرى، واكتملت فرحتهم بزواج رسول الله بعائشة. وقد تمَّ هذا الزواج الميمون في شوال سنة اثنتين للهجرة، وانتقلت عائشة إلى بيت النبوة.

أهم ملامح شخصيتها


الكرم والسخاء والزهد


أخرج ابن سعد من طريق أم درة قالت: أتيت عائشة -رضي الله عنها- بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه!! فقالت: لو كنت أذكرتني لفعلت.

العلم الغزير


فقد كان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض؛ قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة -رضي الله عنها- من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة. قال أبو موسى الأشعري t: ما أشكل علينا أصحاب محمد حديث قَطُّ، فسألنا عنه عائشة -رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علمًا.

وقال عروة بن الزبير بن العوام: ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام، والعلم، والشعر، والطب من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

ذات مكانة خاصة


‏أخرج البخاري في صحيحه عن ‏أبي موسى الأشعري ‏t أنه ‏قال: ‏قال رسول الله ‏:‏ "‏كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ‏مريم بنت عمران، ‏وآسية امرأة فرعون، ‏وفضل ‏عائشة ‏على النساء كفضل ‏الثريد ‏على سائر الطعام".

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ‏عن ‏عائشة -رضي الله عنها- ‏أنها قالت: "كان الناس ‏‏يتحرّون ‏بهداياهم يوم ‏عائشة؛ ‏يبتغون ‏بذلك مرضاة رسول الله ‏".

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ‏أبي سلمة أنه قال:‏ ‏إن ‏عائشة -رضي الله عنها- ‏قالت: ‏قال رسول الله ‏‏يا ‏عائش، ‏هذا ‏جبريل ‏يقرئك السلام". فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى. تريد رسول الله ‏. ‏يومًا: "

بعض المواقف من حياتها


مع الرسول


ذكر ابن سعد في طبقاته عن عباد بن حمزة أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا نبي الله، ألا تكنيني؟ فقال النبي : "اكتني بابنك عبد الله بن الزبير"، فكانت تكنى بأم عبد الله.

وعن مسروق قال: قالت لي عائشة رضي الله عنها: لقد رأيت جبريل واقفًا في حجرتي هذه على فرس ورسول الله يناجيه، فلما دخل قلت: يا رسول الله، من هذا الذي رأيتك تناجيه؟ قال: "وهل رأيته؟" قلت: نعم. قال: "فبمن شبهته؟" قلت: بدحية الكلبي. قال: "لقد رأيت خيرًا كثيرًا، ذاك جبريل". قالت: فما لبثت إلا يسيرًا حتى قال: "يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام". قلت: وعليه السلام، جزاه الله من دخيلٍ خيرًا".

وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن أختي، قال لي رسول الله : "ما يخفى عليَّ حين تغضبين ولا حين ترضين". فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: "أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم". فقلت: صدقت يا رسول الله .

بعض المواقف من حياتها مع الصحابة


كان من أهم المواقف في حياتها -رضي الله عنها- مع الصحابة ما جاء في أحداث موقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والتي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبي هما: طلحة والزبير رضي الله عنهما، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين.

وأخرج ابن عبد البر عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه. فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر. فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه. يعني ابن الزبير. قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت.

بعض المواقف من حياتها مع التابعين


أخرج المزي عن عبد الله بن كثير بن جعفر قال: اقتتل غلمان عبد الله بن عباس وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودج على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق فقال: أي أمي، جعلنى الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا، فركبت لأصلح بينهم. فقال: يعتق ما تملك إن لم ترجعي. قالت: يا بني، ما الذي حملك على هذا؟ قال: ما انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدي أن تأتينا بيوم البغلة.

أثرها في الآخرين


من أبلغ أثرها في الآخرين أنها -رضي الله عنها- روى عنها مائتان وتسعة وتسعون من الصحابة والتابعين أحاديثَ الرسول .

التعليم


من الحقائق التاريخية الثابتة أن صحابة رسول الله قد انتشروا في مختلف أرجاء العالم وشتى البلدان بعد النبي للقيام بواجب التعليم والدعوة والإرشاد، وكان بلد الله الحرام والطائف والبحرين واليمن والشام ومصر والكوفة والبصرة وغيرها من المدن الكبار مقرًّا لهؤلاء الطائفة المباركة من الصحابة.

وانتقلت دار الخلافة الإسلامية بعد مضي سبع وعشرين سنة من المدينة المنورة إلى الكوفة ثم إلى دمشق، غير أن هذه الحوادث وانتقال دار الخلافة من مكان إلى مكان لم يزلزل تلك الهيبة العلمية والمعنوية والروحية التي قد ترسخت في قلوب الناس تجاه المدينة المنورة، وكانت المدينة المنورة حينذاك محتضنة عدة مدارس علمية ودينية يشرف عليها كل من أبي هريرة وابن عباس وزيد بن ثابت، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

غير أن أعظم مدرسة شهدتها المدينة المنورة في ذلك الوقت هي زاوية المسجد النبوي التي كانت قريبة من الحجرة النبوية وملاصقة لمسكن زوج النبي ، كانت هذه المدرسة مثابة للناس، يقصدونها متعلمين ومستفتين حتى غدت أول مدارس الإسلام وأعظمها أثرًا في تاريخ الفكر الإسلامي، ومعلِّمة هذه المدرسة كانت أم المؤمنين رضي الله عنها.

هذا وقد تخرج في مدرسة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عددٌ كبير من سادة العلماء ومشاهير التابعين، ومسند الإمام أحمد بن حنبل يضم في طياته أكبر عدد من مروياتها رضي الله عنها.

الإفتاء


قضت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بقية عمرها بعد وفاة النبي كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين، وقدوة يُقتدى بها في سائر المجالات والشئون، وقد كان الأكابر من أصحاب رسول الله ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.

عائشة تفتي في عهد الخلفاء الراشدين


كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قد استقلت بالفتوى وحازت على هذا المنصب الجليل المبارك منذ وفاة النبي رضي الله عنها، وأصبحت مرجع السائلين ومأوى المسترشدين، وبقيت على هذا المنصب في زمن الخلفاء كلهم إلى أن وافاها الأجل.

بعض الأحاديث التي نقلتها عن المصطفى


أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ t فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ

وأخرج أيضًا عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنْ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ. قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا".

بعض كلماتها


أخرج ابن سعد عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت حين حضرتها الوفاة: يا ليتني لم أخلق، يا ليتني كنت شجرة أسبِّح، وأقضي ما عليَّ.

متى توفيت؟


قيل: إنها توفيت سنة ثمانٍ وخمسين، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، أمرت أن تدفن ليلاً، فدفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة t، ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر (رضي الله عنهم أجمعين).




 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:36 AM   #6 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



زينب بنت خزيمة رضي الله عنها


هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلاليَّة، وهي أمُّ المساكين، وكانت تسمى بذلك في الجاهلية؛ لرحمتها إياهم ورقَّتها عليهم.
أمُّها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث، التي قيل عنها: "لا تُعْلَم امرأة من العرب كانت أشرف أصهارًا من هند بنت عوف، أُمِّ زينب وميمونة وأخواتهما". فأصهارها الرسول ، والعباس وحمزة ابنا عبد المطلب، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب، وأبو بكر وشداد بن أسامة بن الهاد[1].
وكانت زينب -رضي الله عنها- عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلَّقها، فتزوَّجها عبيدة بن الحارث فقُتل عنها يوم بدر شهيدًا[2]، وقيل: كانت زوجة عبد الله بن جحش، فاستشهد في أحد، وهو الأرجح[3]. وكانت زينب بنت خزيمة أختًا لميمونة بنت الحارث -رضي الله عنهما- من الأمِّ.

حياتها قبل النبي:


وقد قامت السيدة زينب بنت خزيمة -رضي الله عنها- بدَوْرٍ بارز مع نساء المسلمين في موقعة بدر، في خدمة الجرحى وتضميدهم، وتقديم الطعام والماء لهم، وقد استشهد زوجها عبد الله بن جحش t في غزوة أُحد.
زواجها من رسول الله:

علم النبي بترمُّلها، فرقَّ لحالها، وتزوَّجها رسول الله في العام الثالث من هجرته ، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية وَنَشًّا[4]، وكان تزويجه إيَّاها في شهر رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرًا من الهجرة[5].
وفاتها:

لم تمكث أمُّ المؤمنين زينب بنت خزيمة عند رسول الله طويلاً؛ فقد لبثت عنده ثمانية أشهر أو أقلَّ، وماتت بالمدينة، وعمرها -رضي الله عنها- نحو ثلاثين سنة[6].

_______________________
[1] العصامي: سمط النجوم العوالي 1/201.
[2] محب الدين الطبري: السمط الثمين 85.
[3] المزِّي: تهذيب الكمال 1/204.
[4] النشُّ: نصف أوقية وهو ما يساوي عشرين درهمًا. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نشش 6/352.
[5] ابن سعد : الطبقات الكبرى 8/115.
[6] المزِّي: تهذيب الكمال 1/204.



 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:37 AM   #7 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



زينب بنت جحش رضي الله عنها

نسبها ومولدها

هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدية (32 ق.هـ-21هـ/ 590-642م)، أُمُّها أميمة بنت عبد المطلب عمَّة رسول الله . وُلِدَتْ -رضي الله عنها- في السنة الثالثة والثلاثين قبل الهجرة، أخوها عبد الله بن جحش أحد السابقين، وقائد سريَّة نخلة، وقد استشهد t في غزوة أُحُد، ودُفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب عمُّ النبي في قبر واحد رضي الله عنهما[1].

زواجها من زيد بن حارثة


انطلق رسول الله ليخطب لزيد بن حارثة t، فدخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لستُ بناكحته. فقال رسول الله : "بَلْ فَانْكِحِيهِ". قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدَّثان، أنزل الله تعالى قوله على رسوله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فقالت رضي الله عنها: رضيتَه لي يا رسول الله منكحًا؟ قال رسول الله : نعم. قالت: إذن لا أعصي رسول الله ، قد أنكحته نفسي.

وبهذه الواقعة أراد النبي أن يُحطِّم الفوارق الطبقيَّة الموروثة في الجماعة المسلمة، فيردَّ الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلاَّ بالتقوى، وكان الموالي -وهم الرقيق المحرَّر– طبقة أدنى من طبقة السادة، ومن هؤلاء زيد بن حارثة t، فأراد رسول الله أن يُحقِّق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبة النبي زينب بنت جحش؛ ليُسقط تلك الفوارق الطبقيَّة بنفسه في أسرته، وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطِّمها إلاَّ فعل واقعيّ من رسول الله تتَّخذ منه الجماعة المسلمة أسوةً، وتسير البشريَّة كلها على هداه في هذا الطريق[2].

طلاقها من زيد وإسقاط التبني


ولكن الحياة لم تَسِرْ على وجهها المطلوب بين زيد بن حارثة t وبين السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فجاء زيد للنبي يريد أن يُطلِّق زينب، لكن النبي ردَّه، وقال له: "اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ". فأنزل الله تعالى قوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]. فالله تعالى قد أخبر نبيَّه أن زينب بنت جحش ستكون زوجةً من زوجاته، لكن النبي خاف المنافقين وأقوالهم؛ لأن زيدًا ابنٌ للنبي بالتبنِّي، لكن الله تعالى أخرج ما كان في صدر النبي ؛ ليكون زواجه من السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- ذات حكمة تشريعية عظيمة، وهي إسقاط التبني، وأول من يُطبِّق هذه الحكمة هو النبي على مَنْ تبنَّاه؛ إذ كان زيد منسوبًا للنبي ، فكان يُقال له: زيد بن محمد. ثم أُسقط التبني فنُسب لاسمه الحقيقي زيد بن حارثة t[3].

زواجها من رسول الله


وبعد طلاق السيدة زينب من زيد بن حارثة t، وبعد انقضاء عِدَّتها، قال رسول الله لزيد بن حارثة t: "اذْهَبْ وَاذْكُرْهَا عَلَيَّ". يقول زيد: فلمَّا قال ذلك عظمت في نفسي، فذهبتُ إليها، وجعلتُ ظهري إلى الباب، وقلتُ: يا زينب، بعث رسول الله يَذْكُرُك. فقالت: ما كنتُ لأحدث شيئًا حتى أؤامر ربي U. فقامت إلى مسجد لها[4]، فأنزل الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37]. فجاء رسول الله فدخل عليها بغير إذن، وروي: أنه لما دخل بها، قال لها: ما اسمك؟ قالت: بَرَّة. فسماها رسول الله زينب. وروي: أنه لما تزوَّجها رسول الله تكلَّم في ذلك المنافقون، فقالوا: حرَّم محمد نساء الولد، وقد تزوَّج امرأة ابنه. فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]. وقال أيضًا: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5][5].

ولمَّا نزل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا...} [الأحزاب: 37] كانت زينب -رضي الله عنها- تفتخر على بقيَّة زوجات النبي ، وتقول لهنَّ: زوجكنَّ آباؤكنَّ، وزوَّجني الله من فوق سبع سموات[6]. وما أَوْلَمَ رسول الله على امرأةٍ من نسائه أكثر وأفضل ممَّا أولم على زينب، وقد أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.

الحكمة من زواجها من النبي


رُوِيَ عن علي بن الحسين: أن النبي كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدًا يطلِّق زينب، وأنه يتزوَّجها بتزويج الله إيَّاها، فلمَّا تشكَّى زيدٌ للنبي خُلُقَ زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريد طلاقها، قال له رسول الله على جهة الأدب والوصيَّة: "اتَّقِ اللهَ فِي قَوْلِكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ". وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوَّجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يُرِدْ أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوَّجها، وخشي رسول الله أن يَلْحَقه قولٌ من الناس في أن يتزوَّج زينب بعد زيد، وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له، بأن قال: "أَمْسِكْ". مع علمه بأنه يطلِّق، وأعلمه أن الله أحقَّ بالخشية، أي في كل حال.

قال علماؤنا رحمة الله عليهم[7]: وهذا القول أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسِّرين والعلماء الراسخين؛ كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم.

والمراد بقوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ}، إنما هو إرجاف المنافقين بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوَّج بزوجة ابنه.

فأما ما رُوِيَ أن النبي هَوِيَ زينبَ امرأةَ زيد -وربما أطلق بعض المجَّان لفظ عشق- فهذا إنما يصدر عن جاهلٍ بعصمة النبي عن مثل هذا، أو مستخفٍّ بحرمته. وبهذا الموقف الواقعي العملي كانت بداية النهاية لظاهرة التبنِّي بشكل نهائي من المجتمع الإسلامي.

مكانتها وفضلها


كانت -رضي الله عنها- تحتلُّ من المكانة العالية عند رسول الله ما جعل أمَّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تعترف بذلك، فكانت تقول عنها -رضي الله عنهما-: كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي ، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدَّق به، ويُتقرب به إلى الله U، ما عدا سورة من حدَّة[8] كانت فيها، تُسرع منها الفيئة[9].

وقد وصفها رسول الله بأنها أوَّاهة، فقال لعمر بن الخطاب t: "إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ". فقال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: "الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75]"[10].

وقد اشتركت -رضي الله عنها- مع النبي في غزوة الطائف بعد حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الوداع[11]، وبعد وفاة النبي ظلَّت السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- محافِظةً على عهد رسول الله ، لازمة بيتها؛ ففي حجة الوداع قال رسول الله لزوجاته: "هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصُرِ"[12]. فكن كلهن يحججن إلاَّ زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تحرِّكنا دابَّة بعد أن سمعنا ذلك من النبي [13].

أم المساكين


عن عائشة رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي قلن للنبي أيُّنا أسرع بك لحوقًا؟ قال: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فأخذوا قصبة يذرعونها[14]، فكانت سودة أطولهن يدًا، فعلمنا بعدُ أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به، وكانت تحبُّ الصدقة[15].

ذات الورع والتقوى


في حادثة الإفك العظيمة خاض الكثير من الناس فيما ليس لهم به علم، تقول السيدة عائشة يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: "يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟" فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمتُ إلاَّ خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله ، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك[16]. رضي الله عنها: وكان رسول الله

قال ابن حجر في الفتح: قوله: "يسأل زينب بنت جحش"، أي أم المؤمنين. "أحمي سمعي وبصري"، أي من الحماية، فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر. وقوله: "وهي التي كانت تساميني"، أي: تعاليني من السمو، وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة[17].

وفي هذا الأمر تظهر بوضوح تقوى السيدة زينب -رضي الله عنها- وورعها من أن تتَّهم ضَرَّتها السيدة عائشة -رضي الله عنها- بشيء لم تَرَهُ عيناها، ولم تسمع به أذناها.

حياتها وزهدها بعد رسول الله


وقد ظلَّت -رضي الله عنها- جوَّادة كريمة بعد رسول الله ، متمسِّكة بالزهد، وعدم التعلُّق بالدنيا ومتاعها، فيُذْكَر أنه لمَّا جاء العطاءُ عمرَ، بعث إلى أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- بالذي لها، فلمَّا دخل عليها قالت: "غفر الله لعمر! لَغَيْرِي من أخواتي كان أقوى على قَسْم هذا منِّي". قالوا: هذا كله لكِ. قالت: "سبحان الله" واستترت دونه بثوب، وقالت: "صبُّوه واطرحوا عليه ثوبًا". فصبُّوه وطرحوا عليه ثوبًا، فقالت لبرزة بنت رافع: "أَدْخِلي يدكِ فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان". وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها، فقسّمته حتى بقيت منه بقيَّة: فقالت لها برزة: غفر الله لكِ! والله لقد كان لنا في هذا حظٌّ. قالت: "فلكم ما تحت الثوب". قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهمًا، ثم رفعت يديها، فقالت: "اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا". قالت: فماتت رضي الله عنها[18].

آيات من القرآن كانت السيدة زينب سببًا في نزولها


قول الله I: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37].
وعن أنس بن مالك قال: إن هذه الآية {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ...} [الأحزاب: 37][19]. نزلت في شأن زينب بنت جحش، وزيد بن حارثة رضي الله عنهما

قول الله U: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
وعن أنس بن مالك t قال: لمَّا تزوج رسول الله زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدَّثون، وإذا هو كأنه يتهيَّأ للقيام فلم يقوموا، فلمَّا رأى ذلك قام، فلمَّا قامَ قامَ مَنْ قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقتُ فجئتُ فأخبرتُ النبي أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبتُ أدخلُ فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية[20].

وفاتها


تُوُفِّيَتْ أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- في خلافة عمر بن الخطاب في عام عشرين من الهجرة، وقيل: في عام واحد وعشرين من الهجرة، وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة[21].

________________________
[1] المزِّي: تهذيب الكمال 35/184، والزركلي: الأعلام 3/66.
[2] سيد قطب: في ظلال القرآن 5/2865.
[3] محب الدين الطبري: السمط الثمين 70، 171.
[4] صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب وزاج زينب بنت جحش (1428) عن أنس بن مالك t.
[5] محب الدين الطبري: السمط الثمين 71، 172.
[6] البخاري: كتاب التوحيد، باب "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (6984)، والترمذي (3213)، واللفظ له.
[7] القائل: القرطبي رحمه الله.
[8] المعنى: أنها كاملة الأوصاف إلاَّ أن فيها شدَّة خُلق وسرعة غضب تسرع منها. انظر: النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم 15/206.
[9] مسلم: كتاب فضائل الصحابة y، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (2442)، والنسائي (3946).
[10] محب الدين الطبري: السمط الثمين 79.
[11] الحلبي: السيرة الحلبية 3/200، 257.
[12] أي: المكث في البيت. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حصر 4/193.
[13] أحمد (26794)، وقال الأرناءوط: إسناده حسن. والطبراني: المعجم الكبير 17/282 (19585).
[14] أي: يقدرنها بذراع كل واحدة منهن؛ كي يعلمن أيهن أطول يدًا من غيرها، ظنًّا منهن أن المراد طول اليد حقيقة.
[15] البخاري: كتاب الزكاة، باب أي الصدقة أفضل، وصدقة الصحيح الشحيح (1354)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها (2452).
[16] البخاري: كتاب التفسير، سورة النور (4473).
[17] ابن حجر: فتح الباري 8/478.
[18] ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/326.
[19] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/425، والبخاري: كتاب التفسير، سورة الأحزاب (4509).
[20] البخاري: كتاب التفسير، سورة الأحزاب (4513)، ومسلم: كتاب النكاح، باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب وإثبات وليمة العرس (1428).
[21] ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/326.



 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:38 AM   #8 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها

نسبها

أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان؛ صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأمويَّة (25 ق.هـ- 44هـ/ 596- 664م)، وأُمُّها صفية بنت أبي العاص بن أمية عمَّة عثمان بن عفان t.

هجرتها وثباتها


هاجرتْ أمُّ حبيبة مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فَوَلَدَتْ له حبيبة، وبها تُكنى رضي الله عنها، وفي الحبشة تنصَّر عبيد الله، وثبتَتْ هي على الإسلام[1].

وفي الحبشة رأت السيدة أمُّ حبيبة رؤيا، ثم أصبحت واقعًا جديدًا لها، فتروي رضي الله عنها: رأيتُ في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورةٍ وأشوهه، ففزعتُ فقلتُ: تغيَّرَتْ والله حالهُ. فإذا هو يقول حين أصبح: يا أمَّ حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أَرَ دينًا خيرًا من النصرانيَّة، وكنتُ قد دِنْتُ بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانيَّة. فقلتُ: والله ما خِيرَ لكَ. وأخبرْتُهُ بالرؤيا التي رأيتُها، فلم يحفلْ بها، وأكبَّ على الخمر حتى مات.

مكانتها وفضلها


هي من بنات عمِّ الرسول ، ليس في أزواجه مَنْ هي أكثر صداقًا منها، ولا مَنْ تزوَّج بها وهي نائية الدار أبعد منها[2].

وهي -رضي الله عنها- ابنة زعيم مكة وقائدها أبو سفيان بن حرب، ورغم ذلك فقد أعلنتْ إسلامها رغم معرفتها بعاقبة هذا الأمر عليها وسخط أبيها، وما يجره ذلك من متاعب وآلام انتهت بهجرتها وزوجها المسلم آنذاك إلى الحبشة.

وقد هاجرت -رضي الله عنها- إلى الحبشة وهي حامل بابنتها حبيبة ووَلَدَتها هناك[3]، وفي هذا ما فيه من المشقَّة والتعب والتضحية في سبيل الله؛ ممَّا يدلُّ على عمق إيمانها وصدق يقينها بالله تعالى، وقد تنصَّرَ زوجها عبيد الله بن جحش، وساءت خاتمته، فتُوُفِّيَ على الكفر والعياذ بالله.

ومع هذا فقد ثبتَتْ -رضي الله عنها- على الإسلام، ثبتت رغم كُفْرِ أبيها[4] وتنصُّر زوجها، ثبتَتْ لمَا أراد الله بها من الخير، ولمَا أَعَدَّ لها من الخير في الدنيا والآخرة.

زواجها من رسول الله


رأت أمُّ حبيبة في منامها كأنَّ آتيًا يقول: يا أمَّ المؤمنين. ففزِعْتُ فأوَّلتُها أن رسول الله يتزوَّجني. قالت: فما هو إلاَّ أن انقضت عِدَّتي فما شعرت إلاَّ برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له -يقال لها: أبرهة- كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلَتْ علَيَّ، فقالت: إن المَلِكَ يقول لكِ: إن رسول الله كتب إلَيَّ أن أُزَوِّجَكه. فقالت: بشَّركِ الله بخير. قالت: يقول لك الملك وكِّلي مَنْ يُزَوِّجك. فأرسلتْ خالدَ بن سعيد بن العاص، فوكَّلَتْه وأعطتْ أبرهة سواريْن من فضة وخَدَمتَين[5] كانتا في رجليها، وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها؛ سرورًا بما بشَّرتها، فلمَّا كان العشيّ أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومَنْ هناك مِن المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنه الذي بشَّر به عيسى بن مريم؛ أمَّا بعد: فإن رسول الله كتب إلَيَّ أن أزوجه أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله ، وقد أصدقْتُها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.

فتكلَّم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ؛ ليُظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. أمَّا بعد، فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله وزوَّجته أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول . ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا؛ فإن سُنَّة الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يُؤكل طعامٌ على التزويج. فدعا بطعام وأكلوا، ثم تفرَّقوا.

قالت أمُّ حبيبة: فلمَّا وصل إلَيَّ المال أرسلتُ إلى أبرهة التي بشَّرتني، فقلتُ لها: إنِّي كنتُ أعطيتُك ما أعطيتُك يومئذٍ ولا مال بيدي، فهذه خمسون مثقالاً، فخُذيها فاستعيني بها. فأبتْ وأخرجتْ حُقًّا فيه كل ما كنتُ أعطيتُها فردَّتْه عليَّ، وقالت: عزم عليَّ الملك أن لا أَرْزَأَكِ[6]، وأسلمتُ لله U، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر. قالت: فلمَّا كان الغد جاءتني بعُودٍ، ووَرَسٍ، وعنبر وزبَّادٍ[7] كثير، فقَدِمْتُ بذلك كلِّه على رسول الله ، فكان يراه علَيَّ وعندي فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله منِّي السلام، وتُعلميه أنِّي قد اتَّبعتُ دينه. قالت: ثم لطفتْ بي وكانت التي جَهَّزتني، وكانت كلَّما دخلت علَيَّ تقول: لا تنسَيْ حاجتي إليك. قالت: فلمَّا قَدِمْتُ على رسول الله أخبرْتُه كيف كانت الخطبة، وما فعلَتْ بي أبرهة، فتبسَّم، وأقرأْتُه منها السلام، فقال: "وَعَلَيْهَا السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ"[8]. شيئًا، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعتُ دين محمد رسول الله

الحكمة من زواج الرسول بها


تزوَّج النبي السيدة أمَّ حبيبة في العام السابع من الهجرة النبويَّة المشرَّفة، وكان زواجه منها تكريمًا لها على ثباتها في دين الله، فكم من امرأة تَتْبَعُ زوجها في كل حركة وسكنة في حياته، تفعل الخير بفعله، وتكفُّ عن الشرِّ بِكَفِّه!! لكنَّ هذه المرأة المهاجرة بدينها وولدها لم يُزعزعها أَلَمُ الفراق بينها وبين زوجها وعائلها في بلد يبعد آلاف الأميال عن بلدها، وإنما حاولتْ بكل ما أُوتيتْ من قوَّة أن تثني زوجها عن تغيير عقيدته إلى عقيدة التوحيد، لكنَّه أصرَّ وتولَّى، فصبرتْ وشكرتْ، فكافأها الله بزواجها من رسول الله ، وجعلها أُمًّا للمؤمنين.

لم يكن رسول الله بمنأًى عمَّا يحدث لأصحابه أينما كانوا، فقد كان القائد الأوَّل للمسلمين يتابع أحوال الجميع، إنه مسئول يتفقَّد رعيَّته، ولم تكن أحوال المسلمين المهاجرين إلى الحبشة لِتَخْفَى عليه، فقد كان يُتابعها بشكل دائم، وقد وصلت إليه أخبار السيدة الكريمة الشريفة أمِّ حبيبة وما لاقتْ من مصاعب ومتاعب، وكيف صبرتْ وثبتتْ وتمسَّكتْ بالإسلام، رغم كل ما مرَّتْ به من أحوال، فكانت مواساة رسول الله لها أن طلب الزواج منها، تقول السيدة أمُّ حبيبة رضي الله عنها: فأرى في النوم كأنَّ آتيًا يقول: يا أمَّ المؤمنين. ففزعتُ، فأوَّلتُها أن رسول الله يتزوجني. قالت: فما هو إلا أن انقضتْ عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت عليَّ فقالت: إن الملك يقول لكِ: إن رسول الله كتب إليَّ أن أزوجكه، فقالت: بشرك الله بخير. قالت: يقول لك الملك: وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجكِ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته...[9].

فكان هذا الزواج تعويضًا لها عمَّا لاقته -رضي الله عنها- من عَنَتٍ ومشقَّة، ومكافأة لها من الله U لصبرها وثباتها، وما ادَّخره الله I لها في الآخرة خيرٌ وأبقى.

إخلاصها وحبها لرسول الله


وبعد زواجها من رسول الله ظلَّتْ مخلصةً له ولدينه ولبيته؛ فيُروى أنَّ أبا سفيان بن حرب -والد السيدة أمِّ حبيبة- قد جاء من مكة إلى المدينة طالبًا أن يَمُدَّ النبي هدنة الحرب التي عُقدت في الحديبية، فلم يقبل رسول الله ، فجاء إلى ابنته أمِّ حبيبة -رضي الله عنها- زوج النبي ، فأراد أن يجلس على فراش رسول الله فطوته دونه، فقال: يا بُنَيَّة، أرغبت بهذا الفراش عني، أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله . قال: يا بُنَيَّة، لقد أصابك بعدي شرٌّ. فقالت: بل هداني الله للإسلام، وأنت -يا أبتِ- سيِّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرًا لا يسمع ولا يبصر؟! فقام من عندها...[10].

وكانت -رضي الله عنها- مع غَيْرتها على رسول الله تحبُّ أن تشاركها فيه أختها عزَّة بنت أبي سفيان؛ فقد سمِعَتْ أن رسول الله همَّ أن يتزوَّج دُرَّة بنت أمِّ سلمة؛ فعن زينب بنت أبي سلمة أن أمَّ حبيبة قالت: قلتُ: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: "وَتُحِبِّينَ؟". قلتُ: نعم، لست لك بمُخْلِيَةٍ، وأحبُّ مَن شاركني في خيرٍ أُختي. فقال النبي : "إِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لِي". قلتُ: يا رسول الله، فوالله إنَّا لنتحدَّث أنك تريد أن تنكح دُرَّة بنت أبي سلمة. قال: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟". فقلتُ: نعم. قال: "فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ[11]، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ"[12].

وقيل: إن قول الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7] نزل في أبي سفيان صخر بن حرب، فإنَّ رسول الله تزوَّج ابنته أمَّ حبيبة، فكانت هذه مودَّة ما بينه وبينه[13].

فقهها ومحافظتها على سنة النبي


وبعد وفاة النبي ظلَّت السيدة أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- مستمسِّكة بسُنَّته ؛ ولمَّا جاء نعي أبي سفيان من الشام دعتْ أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- بصفرة في اليوم الثالث، فمسحتْ عارضيها وذراعيها، وقالت: إني كنتُ عن هذا لغنية، لولا أني سمعتُ رسول الله يقول: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"[14].

مروياتها عن رسول الله


روت أمُّ المؤمنين أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- عن النبي عدَّة أحاديث، جعلها بَقِيّ بن مَخْلد خمسة وستِّين حديثًا، ولها في مجموع الكتب الستَّة تسعة وعشرون حديثًا، اتَّفق لها البخاري ومسلم على حديثيْن، وروى عنها أخواها معاوية وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وشُتَير بن شَكَل، وشهر بن حوشب، وأبو سفيان بن سعيد بن الأخنس وهي خالته، وأبو صالح ذكوان السمَّان، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة. وحديثها -رضي الله عنها- مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة، وأيضًا حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن مشهور، وقد رواه عنها معظم التلاميذ الذين ذكرناهم، كما حوت مرويَّاتها أحاديث في وجوب الإحداد للمرأة المتَوَفَّى عنها زوجها، وعدم جوازه لغير الزوج فوق ثلاثة أيام، والكُحْل للحادَّة... وفي أبواب الحج روت في استحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى مِنى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، وفي أبواب الطهارة: الوضوء ممَّا مسَّته النار، وفي صلاة الرجل في الثوب الذي جامع فيه، وما يجوز للرجل من المرأة الحائض... وفي أبواب الصوم: روت في جواز القُبْلَة للصائم، وفي الدعاء بعد الأذان... وروت في العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها[15].

حياتها بعد النبي


عاشت السيدة أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- بعد رسول الله ثلاثًا وثلاثين سنة[16]، متمسِّكة بهدية، سائرة على سُنَّتِه، عميقة الصلة بالمؤمنين جميعًا، مشارِكة للمسلمين في الأحداث العظمى؛ ففي أيام الفتنة الكبرى، ولما اشتدَّ أذى المتمرِّدين على عثمان بن عفان t قال الناس: لو جئتم بأمِّ المؤمنين؛ عسى أن يكفُّوا عنه. فجاءُوا بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان، فنظرتُ[17] إليها وهي على بغلة بيضاء في محفة[18]، فلمَّا جاءُوا بها إلى الدار[19]، صرفوا وجه البغلة حتى ردُّوها[20].

كما كانت t حسنة الصلة بأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا، حريصةً على وُدِّهن واسترضائهن، ففي اللحظات الأخيرة من حياتها استدعت السيدة عائشة -رضي الله عنها- لتقول لها أمرًا غاية في الأهمِّيَّة بالنسبة لها؛ فعن عوف بن الحارث قال: سمعتُ عائشة -رضي الله عنها- تقول: دعتني أمُّ حبيبة زوج النبي عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلتُ: غفر الله لكِ ذلك كله، وتجاوز وحلَّلَكِ من ذلك. فقالت: سررتني سرَّك الله. وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثل ذلك...[21].

وفاتها


عند وفاتها تجسَّدت فيها -رضي الله عنها- رُوح الحبِّ والأُلْفَة بينها وبين أُمَّهات المؤمنين الباقيات، عندما طلبت من السيدة عائشة أن تحللها من أي شيء فحللتها، واستغفرت لها، وماتت بالمدينة سنة أربع وأربعين عن ثمانٍ وستين سنة، في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان[22].

___________________
[1] ابن سيد الناس : عيون الأثر 2/389.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/219.
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/651، وقيل: ولدتها بمكة.
[4] أسلم أبو سفيان t وحَسُنَ إسلامه بعد ذلك كما هو معروف، بينما ظلَّ زوجها على النصرانية حتى مات عليها، كما ذُكر.
[5] الخَدَمتين: الخَلْخالانِ، وهي حُلِيّ تلبس في الرجل من الذهب والفضة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة خدم 12/166.
[6] رزأ الشيء: أخذه، أو انتقصه وأصاب منه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رزأ 1/85.
[7] الزباد: نوع من الطيب، قيل: يستخرج من دابة مثل السِّنَّور. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة زبد 3/192.
[8] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، 98، وابن عساكر: تاريخ دمشق 69/ 143، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 11/194.
[9] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/221.
[10] الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 5/206.
[11] ثويبة مرضعة النبي مولاة أبي لهب. انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 7/548 (10964)، وابن الأثير: أسد الغابة 7/51.
[12] البخاري: كتاب النكاح ، باب "وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" (4818).
[13] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/89.
[14] البخاري: كتاب الجنائز، باب حد المرأة على غير زوجها (1221)، ومسلم: كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة... (1486).
[15] انظر موقع الشبكة الإسلامية، الرابط:

[16] حيث كانت وفاتها رضي الله عنها سنة (44هـ/ 664م) في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان t على الأرجح.
[17] هذا من قول الراوي، وهو الحسن البصري رحمه الله.
[18] المحفة: مركب للنساء كالهودج إلا أنه لا قبة له. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حفف 9/49.
[19] أي دار عثمان بن عفان t.
[20] الذهبي: سير أعلام النبلاء 4/569.
[21] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/100، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/223، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/653.
[22] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/653.



 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:39 AM   #9 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



صفية بنت حيي رضي الله عنها

نسبها

هي صفيَّة بنت حُيَيِّ بن أخطب بن شعبة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن تحوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران (9 ق.هـ- 50هـ/ 613- 670م). وأُمُّها بَرَّة بنت سموءل، كانت صفيَّة بنت حيي عند سلاَّم بن مشكم، وكان شاعرًا، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحُقَيْق وهو شاعر قُتل يوم خيبر[1].

كراهية قومها للرسالة الربانية


كانت السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- سيدة بني قريظة والنضير، أبوها حيي بن أخطب زعيم اليهود، وعالم من علمائهم، كان على عِلْمٍ بأن محمدًا نبيٌّ مرسل من قِبَلِ الله منذ قدومه إلى المدينة، لكنه استكبر؛ لأن النبي من العرب، ولم يكن من اليهود، وهذه القصَّة تحكيها لنا السيدة صفيَّة بنت حيي -رضي الله عنها- قائلة: لم يكن أحد من ولد أبي وعمِّي أحبَّ إليهما منِّي، لم ألقهما في ولد لهما قطُّ أهشّ إليهما إلاَّ أخذاني دونه، فلمَّا قدم رسول الله قُباء -قرية بني عمرو بن عوف- غدا إليه أبي وعمِّي أبو ياسر بن أخطب مغلِّسين[2]، فوالله ما جاءانا إلاَّ مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين، كسلانين، ساقطين، يمشيان الهوينى، فهششتُ إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما نظر إليَّ واحدٌ منهما، فسمعت عمِّي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم، والله! قال: تعرفه بنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بَقِيتُ.

وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن أبا ياسر بن أخطب حين قدم رسول الله المدينة ذهب إليه وسمع منه وحادَثه، ثم رجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أطيعوني؛ فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون، فاتبعوه ولا تخالفوه.

فانطلق أخوه حيي بن أخطب -وهو يومئذٍ سيِّد اليهود، وهما من بني النضير- فجلس إلى رسول الله وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعًا، فقال: أتيتُ من عند رجلٍ والله لا أزال له عدوًّا أبدًا.

فقال له أخوه أبو ياسر: يابن أمِّ، أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئتَ بعده، لا تهلك.

قال: لا والله لا أطيعك أبدًا. واستحوذ عليه الشيطان، واتبعه قومه على رأيه[3].

زواجها من رسول الله


إن يهود خيبر رفضوا دعوة السلام والتعايش التي وثَّقها النبي منذ قدومه المدينة مع يهودها، فقامت الحرب بين الطرفين، وانتصر المسلمون على يهود خيبر، وأُسِرَت السيدة صفية بنت حُيي، ولما جُمِعَ السبي جاء دِحْيَةُ بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي. فقال: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً". فأخذ صفيَّة بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا نبي الله، أعطيتَ دِحْيَةَ صفية بنت حيي سيِّدَةَ قريظة وبني النضير، لا تصلح إلاَّ لك. قال: "ادْعُوهُ بِهَا". فجاء بها، فلمَّا نظر إليها النبي قال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا". وكانت -رضي الله عنها- عروسًا حديثة عهد بالدخول، فأمر النبي بلالاً أن يذهب بها إلى رحلة، فمرَّ بها بلال وسط القتلى، فكره ذلك رسول الله ، وقال: "أَذَهَبَتِ الرَّحْمَةُ مِنْكَ يَا بِلالُ؟". وعرض عليها رسول الله الإسلام فأسلمتْ، فاصطفاها لنفسه، وأعتقها وجعل عتقها صداقها، وبنى بها في الطريق، وأولم عليها، ورأى بوجهها خضرة، فقال: "مَا هَذَا؟" قالت: يا رسول الله، أُرِيتُ قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه فسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئًا، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي، وقال: تمنِّين هذا الملك الذي بالمدينة[4].

الحكمة من زواج النبي منها


الإسلام يحفظ للإنسان مكانته، ولا ينقص منها بل يَزِيدها، ومَنْ كان شريفًا قبل إسلامه يزداد شرفًا بالإسلام، ومَنْ كان عزيزًا ازداد عزَّة في الإسلام، وإذا نظرنا إلى حياة السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- قبل الإسلام وجدناها سيِّدةً في قومها، فهي ابنة أحد الزعماء المشهورين حيي بن أخطب، زعيم بني النضير، كما أنها زوجة أحد الزعماء المشهورين أيضًا وهو كنانة بن أبي الحُقَيْق.

ولمَّا جُمِعَ السبي بعد فتح خيبر جاء دِحية الكلبي إلى رسول الله ، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي. قال: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً". فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا نبي الله، أعطيتَ دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك. قال: "ادْعُوهُ بِهَا". فجاء بها، فلما نظر إليها النبي قال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا". قال: فأعتقها النبي وتزوَّجها[5].

وفي زواج السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- من زعيم المسلمين الأوَّل رسول الله أكبر تشريف لها وأعظمه.

وكانت صفية -رضي الله عنها- قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرًا وقع حجرها. فعرضتْ رؤياها على زوجها، فقال: ما هذا إلاَّ أنك تمنِّين ملك الحجاز محمدًا، فلطم وجهها لطمةً خَضِر عينها منها. فأُتِي بها رسول الله وبها أثر منه، فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر[6]. وتزوَّجها النبي ولم تبلغ سبع عشرة سنة[7].


تكريم النبي لها


كان رسول الله حليمًا بالسيدة صفيَّة -رضي الله عنها- محبًّا ومُكرمًا لها؛ فقد بلغ صفيَّةُ أن حفصة -رضي الله عنها- قالت: بنتُ يهوديٍّ. فبكتْ، فدخل عليها رسول الله وهي تبكي، فقال: "مَا يُبْكِيَكِ؟" قالت: قالت لي حفصة بنت عمر إني ابنة يهودي. فقال النبي : "إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ". ثم قال: "اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ"[8].

وحجَّ النبي بنسائه، حتى إذا كان ببعض الطريق نزل رجلٌ فَسَاقَ بهنَّ -يعني النساء- فقال رسول الله : "كَذَلِكَ سَوْقُكَ بِالْقَوَارِيرِ". يعني بالنساء، فبينما هم يسيرون بَرَكَ بصفيَّة جملها، وكانت من أحسنهنَّ ظهرًا، فبكتْ، فجاء رسول الله حين أُخْبِرَ بذلك، فجعل يمسح دموعها، وجعلتْ تزداد بكاء وهو ينهاها، فلمَّا أكثرتْ زجرها وانتهرها، وأمر الناس فنزلوا، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومي، فلمَّا نزلوا ضُرِبَ خباءُ النبي ، ودخل فيه، فلم أدرِ علامَ أُهْجَمُ مِنْ رسول الله ، وخشيت أن يكون في نفسه شيء، فانطلقتُ إلى عائشة، فقلت لها: تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله بشيء أبدًا، وإني قد وهبتُ يومي لك على أن تُرِضي رسول الله عني. قالت: نعم. قالت: فأخذتْ عائشة خمارًا لها قد ثَرَدَتْه[9] فرفعت طرف الخباء، فقال لها: "مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ يَوْمَكِ؟" قالت: ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء. فقال[10] مع أهله. بزعفران، ورشَّته بالماء لتُزْكي ريحه، ثم لبستْ ثيابها، ثم انطلقتْ إلى رسول الله

فلمَّا كان عند الرواح، قال لزينب بنت جحش: "أَفْقِرِي[11] لأُخْتِكِ صَفِيَّةَ جَمَلاً". وكانت من أكثرهن ظهرًا، فقالت: أنا أُفْقِر يهوديَّتك. فغضب رسول الله حين سمع ذلك منها، فهجرها، فلم يُكلِّمْها حتى قدم مكة وأيام مِنى من سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرَّم وصفر، فلم يأتها ولم يقسم لها، فأَيِسَتْ منه، فلمَّا كان شهر ربيع الأول دخل عليها رسول الله فرأت ظلَّه، فقالت: إن هذا الظلَّ ظلُّ رجل، وما يدخل علَيَّ النبي ، فَمَنْ هذا؟ فدخل عليها رسول الله فلمَّا رأته قالت: رسول الله، ما أدري ما أصنع حين دخلتَ علَيَّ. وكانت لها جارية تخبِّئها من رسول الله ، فقالت: فلانة لكَ[12].

وممَّا يُذكر عن اهتمام النبي بالسيدة صفيَّة -رضي الله عنها- وإكرامه لها، أنها -رضي الله عنها- جاءت إلى رسول الله تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة من العشاء، ثم قامت تنقلب، فقام معها رسول الله يَقْلِبُها[13]، حتى إذا بلغتْ باب المسجد -الذي كان عند مسكن أمِّ سلمة زوج النبي - مرَّ بها رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله ثم نفذا، فقال لهما رسول الله : "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". قالا: سبحان الله، يا رسول الله! وكَبُر عليهما ذلك، فقال رسول الله : "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا"[14].

ملامح شخصيتها وفضائلها


كانت السيِّدة صفيَّة -رضي الله عنها- إحدى العاقلات في زمانها، ويظهر صفاء عقلها وقوَّة فطنتها في تَذَكُّرِها لمَا كان من أحداث قبل إسلامها، استلهمتْ من هذه الأحداث صِدْق النبي ، ومهَّد ذلك لإسلامها.

الرسول يُقسِم على صِدْقها قبيل رحيله


عن زيد بن أسلم: أن نبي الله في وجعه الذي تُوُفي فيه، قالت صفية بنت حيي: والله يا نبي الله لوددت أن الذي بكَ بي. فغمزها أزواجه; فَأبْصَرَهُنَّ. فقال: "مَضْمَضْنَ". قُلْنَ: من أي شيء؟ قال: "مِنْ تَغَامُزِكُنَّ بِهَا، وَاللهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ"[15].

حياتها وزهدها بعد رسول الله


بعد وفاة النبي ظلَّت السيدة صفيَّة -رضي الله عنها- متعهِّدة له ولسُنَّته، وقد كانت -رضي الله عنها- حليمة عاقلة فاضلة؛ حيث رُوِيَ أن جاريةً لها أتت عمر بن الخطاب t فقالت: إن صفيَّة تحبُّ السبت وتَصِلُ اليهود. فبعث إليها عمر فسألها فقالت: "أمَّا السبت فإنِّي لم أحبّه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة، وأمَّا اليهود فإن لي فيهم رحمًا وأنا أَصِلُها". ثم قالت للجارية: "ما حملك على ما صنعتِ؟" قالت: الشيطانُ. قالت: "اذهبي فأنت حُرَّة"[16].

لقد عاشت -رضي الله عنها- بعد رحيل المصطفى على منهاجه وسُنَّته، وظلَّت متمسِّكة بهديه حتى لَقِيَتْ ربَّها، وقد كان لها أروع المواقف في وقوفها مع ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان t في وجه الفتنة الهوجاء التي لقيها المسلمون في تلك الآونة؛ فعن كنانة قال: كنتُ أقود بصفية لترُدَّ عن عثمان، فلقيها الأشتر[17] فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت: "ردُّوني لا يفضحني هذا". ثم وضعتْ خشبًا من منزلها ومنزل عثمان تنقل عليه الماء والطعام[18].

ما أروعه من موقف لأُمِّنَا صفيَّة رضي الله عنها! عبَّرَتْ به عن عدم رضاها لما حدث مع عثمان t، فقد حاصروا بيته ومنعوا عنه الماء والطعام، فرأتْ -رضي الله عنها- أن تقف معه في محنته، وتكون عونًا له في شدَّته، وهي -رضي الله عنها- لم تألُ جهدًا في الولاء لعثمان t، الذي اختاره الناس أميرًا للمؤمنين، وموقفها هذا يُشير إلى صدق إسلامها ورغبتها في رَأْب الصدع الذي حدث بين المسلمين، وكراهتها لشقِّ عصا الطاعة على أمير المؤمنين عثمان t[19].

مروياتها ووفاتها


روت عن النبي ، وروى عنها ابن أخيها، ومولياها: كنانة، ويزيد بن معتب. وعلِيّ بن الحسين بن علِيٍّ، ومسلم بن صفوان، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث. وتُوُفِّيَتْ -رضي الله عنها- سنة (50 هـ/ 670م) في زمن معاوية t، ودُفِنَتْ بالبقيع[20].

_________________________________
[1] ابن عبد البر: الاستيعاب 4/1871، ومحب الدين الطبري: السمط الثمين 01.
[2] الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة غلس 6/156.
[3] ابن هشام: السيرة النبوية 1/519، 520، وابن كثير: السيرة النبوية 2/298.
[4] ابن القيم: زاد المعاد 3/291، والمباركفوري: الرحيق المختوم ص325.
[5] البخاري: أبواب الصلاة في الثياب، باب ما يذكر في الفخذ (364).
[6] ابن هشام: السيرة النبوية 2/336.
[7] النووي: تهذيب الأسماء والألقاب ص349.
[8] محب الدين الطبري: السمط الثمين 07.
[9] ثرَدَتْه بزعفران: أَي صبغته. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ثرد 3/102.
[10] قال يَقِيل: استراح أو نام في نصف النهار عند اشتداد الحرِّ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قيل 11/572.
[11] أفقرتُ فلانًا بعيرًا: إذا أعرته بعيرًا يركب ظهره في سفر ثم يردُّه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة فقر 5/60.
[12] الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 9/67.
[13] يقلبها: أي يردّها إلى منزلها. انظر: النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/157.
[14] البخاري: كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه (1933).
[15] ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/313، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/741، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/235.
[16] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ص917.
[17] هو مالك بن الحارث النخعي، كان على رأس أهل الكوفة الذين تولوا الفتنة أيام عثمان بن عفان t. انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 6/268 (8347).
[18] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/128، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/237.
[19] محمد فتحي مسعد: أمهات المؤمنين 79.
[20] ابن حجر: تهذيب التهذيب 12/380، والاستيعاب 2/105.





 


رد مع اقتباس
قديم 10-29-2010, 05:40 AM   #10 (permalink)
PRINCE
عضو مبدع


الصورة الرمزية PRINCE
PRINCE غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 46
 تاريخ التسجيل :  Oct 2010
 أخر زيارة : 12-30-2010 (03:56 PM)
 المشاركات : 273 [ + ]
 التقييم :  72
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي



ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها

نسبها وحياتها قبل رسول الله

هي ميمونة بنت الحارث بن حَزْن بن بُجَير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال (29 ق.هـ- 51هـ/ 593- 671م). وأُمُّها: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير. وأخوات ميمونة لأبيها وأُمِّها: أمُّ الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى عصماء بنت الحارث زوج الوليد بن المغيرة، وهي أمُّ خالد بن الوليد، وكانت تحت أُبَيِّ بن خلف الجهمي فوَلَدَتْ له أَبَانًا وغيره، وعزَّة بنت الحارث التي كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك، فهؤلاء أخوات أمِّ المؤمنين ميمونة لأبٍ وأُمٍّ. أمَّا أخوات ميمونة لأُمِّها: أسماء بنت عُمَيس، كانت تحت جعفر بن أبي طالب فوَلَدَتْ له عبد الله وعونًا[1].

وقد كان يقال: أكرمُ أصهار عجوزٍ في الأرض هندُ بنت عوف بن زهير بن الحارث أمُّ ميمونة، وأمُّ أخواتها أصهارها العباس وحمزة ابنا عبد المطلب، الأول على لبابة الكبرى بنت الحارث منها، والثاني على سلمى بنت عميس منها، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب كلاهما على أسماء بنت عميس، الأول قبل أبي بكر والثاني بعد أبي بكر، وشداد بن أسامة بن الهادي الليثي على سلمى بنت عميس منها بعد وفاة حمزة بن عبد المطلب، ورسول الله على بنتها زينب بنت خزيمة، ثم بعد وفاتها أختها لأُمِّها ميمونة بنت الحارث[2].

مكانتها وفضلها وعلمها


كان للسيِّدة ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- مكانتها بين أُمَّهات المؤمنين؛ فهي أخت أُمِّ الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، كما أنها خالة ابن عباس y[3].

ورُوي لها سبعة أحاديث في "الصحيحين"، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثًا[4].

وقد وصفها الرسول وأخواتها بالمؤمنات؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : "الأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ: مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بنتُ الْحَارِثِ، وسَلْمَى امْرَأَةُ حَمْزَةَ، وَأَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ هِيَ أُخْتُهُنَّ لأُمِّهِنَّ"[5].

زواجها من رسول الله


لما تأيَّمت ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- عرضها العباس t على النبي في الجُحْفَة، فتزوَّجها رسول الله ، وبنى بها بسَرِف على عشرة أميال من مكة، وكانت آخر امرأة تزوَّجها رسول الله ، وذلك سنة سبع للهجرة (629م) في عمرة القضاء. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وقد أصدقها العباس عن رسول الله أربعمائة درهم، وكانت قَبْلَه عند أبي رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي؛ ويقال: إنها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ؛ وذلك أن خطبة النبي انتهت إليها وهي على بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50].

وقد قيل: إن اسمها كان بَرَّة، فسمَّاها رسول الله ميمونة، وكانت -رضي الله عنها- قريبة من رسول الله ، فكانت تغتسل مع رسول الله في إناء واحد[6].

الحكمة من زواج النبي بها


لقد حقَّق النبي بزواجه من السيدة ميمونة -رضي الله عنها- مصلحة عُلْيَا، وهي أنه بهذه المصاهرة لبني هلال كَسَبَ تأييدهم، وتألَّف قلوبهم، وشجعهم على الدخول في الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وجد النبي منهم العطف الكامل والتأييد المطلق، وأصبحوا يدخلون في الإسلام تباعًا، ويعتنقونه طواعيةً واختيارًا[7].

قال العلامة محمد رشيد رضا: ورد أن عمَّ النبي العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجه لبابة الكبرى أمِّ الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها، ولولا أن العباس رأى في ذلك مصلحةً عظيمةً، لما اعتنى به كل هذه العناية[8].

ميمونة في بيت النبي


كانت -رضي الله عنها- آخر امرأة تزوَّجها رسول الله [9]. قال ابن هشام: وكانت جَعَلَتْ أمرها إلى أختها أمِّ الفضل، فجعلتْ أمُّ الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فزوَّجها رسولَ الله ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم[10]. ويُقال: إنها هي التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ، وأنزل الله تعالى فيها: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]. لما انتهت إليها خطبة رسول الله لها وهي راكبة بعيرًا قالت: الجمل وما عليه لرسول الله [11].

وبانضمام السيدة ميمونة -رضي الله عنها- إلى ركب آل البيت، وإلى أزواج رسول الله كان لها -كما لأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن- دور كبير في نقل حياة رسول الله إلى الأُمَّة، كما قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34]. قال البغوي: قوله U: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} يعني: القرآن، {وَالْحِكْمَةِ} قال قتادة: يعني السُّنَّة. وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه[12].

ومن ثَمَّ كانت أُمَّهات المؤمنين تنقل الأحكام الشرعية بدقَّة بالغة، فنجد الأحاديث التي يُذكر فيها الغسل والوضوء وما كان يفعله النبي في نومه واستيقاظه ودخوله وخروجه، وما كان أحد لينقل هذه الأمور كلها بهذه الدقَّة إلاَّ أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ وذلك نظرًا لصحبتهن الدائمة للرسول .

مروياتها عن رسول الله


روت عن رسول الله ، وروى عنها: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، ومولاها سليمان بن يسار، وعبد الله بن سليط، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أخيها عبد الرحمن بن السائب الهلالي، وغيرهم.

وفاتها


وقد تُوُفِّيَتْ -رضي الله عنها- بسَرِف بين مكة والمدينة، حيث بنى بها رسول الله ، وذلك سنة 51هـ/ 671م، أكَّد ذلك ابن حجر وغيره[13]، وكان لها يوم تُوُفِّيَتْ ثمانون أو إحدى وثمانون سنة[14].

________________________
[1] محب الدين الطبري: السمط الثمين 89.
[2] العصامي: سمط النجوم العوالي 1/201.
[3] الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/238.
[4] المصدر السابق 2/245.
[5] الطبراني: المعجم الكبير (120، والحاكم في المستدرك (6801)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني: صحيح. انظر السلسلة الصحيحة (1764).
[6] محب الدين الطبري: السمط الثمين 92.
[7] محمد فتحي مسعد: أمهات المؤمنين 06.
[8] محمد رشيد رضا: نداء للجنس اللطيف في حقوق النساء في الإسلام ص84.
[9] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/132.
[10] ابن كثير: السيرة النبوية 3/439.
[11] ابن هشام: السيرة النبوية 2/646، والسهيلي: الروض الأنف 4/117، وابن كثير: السيرة النبوية 3/439.
[12] البغوي: معالم التنزيل 6/351.
[13] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 8/128، وأيضًا: تهذيب التهذيب 12/402.
[14] ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/140.





 


رد مع اقتباس
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أمهات, الله, المؤمنين, عنهن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصيدة الواضحية في مدح" ام المؤمنين" عائشة رضي الله عنها الساحل الغربي مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص ) 17 11-05-2012 01:03 PM
قصيدة الشيخ عايض القرني في ام المؤمنين عائشه ( رضي الله عنها ) عرمان العرماني مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص ) 16 05-17-2011 07:30 PM


الساعة الآن 06:22 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لمنتدى قبيلة عرمان الرسمي 2020م
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
 
 
 

SEO by vBSEO 3.6.0