إياك والوقوع في أعراض الناس؛ فإن في ذلك الهلاك وذهاب الحسنات وزيادة التبعات ونقص الإيمان والمروءة والاعتبار والنزول من أعالي الأخلاق إلى أسافلها ، ومــــن ألقى نظرة صحيحة علــى المبتلى بالوقوع بأعراض الناس أخذه العجب الكثير ؛ فإن الإنسان لا يعاني أمراً من الأمور إلا لما يرى له مــن المنفعة الدينية والدنيوية أو المروءة الإنسانية أو اللذة الحقيقية ، وهـــذا فاقد لهــذه الأمور كلها ؛ فالمضرة الدينية متحتمة لا محـــالة ، وفيهـــا تــلك المضار المنبه عليهــــا ، وأما المصلحة الدنيوية ؛ فأي مصلحة يصيبها مـــن ذم مــن يبغضه والوقوع فيه ؟! بل هذا يعبر عن نقصه وضعف عقله وحمقه ؛ فإن العقل إنما يدعو إلى الاشتغال بما يحصل بـــــه نفع ديني أو دنيوي ، وهذا ضرر فيهما ، وهو حمق ؛ إذ هـو يذهب إلى أعز شيء عنده وأغلى مدخر ـ وهــو الحسنات ـ ، فيهديها إلى أبغض الناس إليه، وحمق من أخرى؛ فإنه يخيل له أنه يأخذ بثأره من عدوه وينتصر ممن يبغضه بكلام فيـــه وقدحه فيــه ، وهـــو فـــي الحقيقة انتصار العاجزين وسلاح الجبناء ؛ فــــإن أكبر معبر عن نقص القادح وعجزه وعجبه بنفسه ، فمــن عنـــــده مسكة من عقل وشيء من حزم يربأ بنفسه مــــن هــذا المرتع الوخيم والمورد الذميم مهما يجلب عليه من تبعات اللسان وعثراته ورجوع ضرره عليه ؛ فإنه معين لصاحبه عليه؛ فكم من باغٍ على غيره بالكلام أو غيره صرعه بغيه وعاجلته جرأته ؟ ! وكـــم من حافرٍ لغيره حفرة هلاك وقع هو فيها ؟! فيا عجباً للمبتلى بهذا الأمر وهو يرى بعــض هــــذه المضار ويعلم هو وغيره أنه أكبر خزي عليه وعار !! و ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) الأنعــــام : 108 ؛ فيا من عوفي من هذا البلاء الفتاك ! احمد ربك على هــذه النعمة العظمى ، ولتهنئك العافية والسلامة والراحة والغبطة والخير العاجل والآجل .
كتاب : مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للشيخ عبد الرحمن السعدي ( ص 176 )