وهذه الحادثة تدل على فضل التوبة، وأنها طوق نجاة للغارقين في بحور الخطايا المظلمة.
ولكن لابد مع التوبة من الرفيق الصالح.. المؤمن الصادق.. المعين على الطاعة بعد عون الله وتوفيقه.. لهذا قال العالم للتائب:
"انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء"، وهذا يؤكد أهمية الصحبة الصالحة والمجالس الطيبة للتائب، ولمن أراد الطريق إلى الله.
قال - تعالى -:
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28].
فلابد من مفارقة التائب العائد إلى الله لمجالس السوء، ومواضع الخطأ والذنوب، ومفارقة أهل العصيان الذين يزينون له الرذيلة فيستحسنها العبد بعد ذلك، ويقبل على معصية الله.
قال الله - تعالى -:
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فَاطِر: 8].
قال محمد بن كعب القرظي - رحمه الله -:
"التوبة يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيء الإخوان".
فلابد من مفارقة المواضع التي أصاب العبد فيها الذنوب، ومفارقة من يعين على الآثام ومقاطعته، إلا من وهبه الله العلم واليقين والصبر والحكمة، فيقوم لهم بواجب النصح والإرشاد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بقلب صادق، ووجه طليق، ولسان لين، وكلمة طيبة.
كما أن التائب يوم يجالس الصالحين والأخيار الذين ينتقون أطايب الكلام، ويذكّرونه بالحق والهدى ويعينونه على الخير والاستقامة، فإنه بإذن الله سوف يزول همه، ويذهب عنه الضيق، ويكون منشرح الصدر، مرتاح البال، وفي راحة ضمير وسعادة غامرة لم يعهدها من قبل.
فمن كان يأمل النجاة ويرجو رحمة ربه فعليه بالرفقة الصالحة الناصحة، الذين عمروا مجالسهم بذكر الله وتزينت قلوبهم بتقوى الله.
ففي الحديث الشريف قال - صلى الله عليه وسلم -:
((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)). أنت في الناس تقاس *** بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو *** وتنل ذكرًا جميلا
فلا يكفي مجرد النية، أو الرغبة في التوبة، بل لابد أن يتجاوز المسلم رغبة القلب إلى توبة البدن. وهي الانتقال ببدنه مفارقًا مجالس أهل العصيان إلى مجالس الأخيار التي يحفها التقوى والإيمان.