وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يُشير إليه اليهود بالعلم والرئاسة، فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمدًا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة، فعجِب من ذلك وقال: مثلك يقول هذا الكلام؟
فقلت له: اسمع الآن تقريره – الشرح – , إذا قلتم : إن محمدًا ملك ظالم، وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدُّعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا، وأُوحي إليُّ كذا؛ ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب – مستمر – في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم، ونسخ – تغيير – شرائعهم , فلا يخلو إما أن تقولوا: إن الله سبحانه كان يطُّلع على ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا: إنه خفي عنه ولم يعلم به.
فإن قلتم: لم يعلم الله به فقد نسبتموه إذن إلى أقبح الجهل، وكان من عَلَم ذلك أعلم من الله !.
وإن قلتم: بل كان ذلك كله بعلم الله ومشاهدته واطلاعه عليه، فلا يخلو الأمر من أن يكون الله إمُّا قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ..
فإن لم يكن الله قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية ..
وإن كان الله قادرا وهو مع ذلك يُعزه وينصره، ويؤيده ويُعليه ويُعلى كلمته، ويجيب دعاءه، ويمكنه من أعدائه، ويُظهِر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له، فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء، فضلا عن رب الأرض والسماء، فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه ؟
فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد.
قلت : فما لك لا تدخل في دينه ؟
قال : إنما بُعث إلى الأميين الذين لا كتاب لهم، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه.
قلت له : غُلبت كل الغلب، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق، وإن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به، فأمسك ولم يحر جواباً”.
إن هذه المناظرة التي أجراها الإمام ابن القيم لهي دليل واضح على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله عزوجل لم يكن لينصر محمد صلى الله عليه وسلم ويؤيده هذا التأييد لو لم يكن نبيا من عنده سبحانه وتعالى …