فإن الله تعالى قد بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وهدايةً لهم إلى الطريق المستقيم، فمن تبعه نجا، ومن عصاه هلك، وقد أيّده الله تعالى بالمعجزات الدالة على صدق نبوته، كما جعل في أتباعه من الكرامات ما يدل على صدقه صلى الله عليه وسلم فإن الكرامة تدل على صحة الدين الذي جاء به الرسول الكريم لأنها مستلزمة لصدقه في دعوته ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : ( إن آيات الأولياء هي من جملة آيات الأنبياء، فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم، فإنه لولا ذلك لما كان هؤلاء أولياء ولم تكن لهم كرامات) وهذه الكرامة لا تكون إلا لمن تمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بموافقته لمحبوبات الله تعالى والابتعاد عن محرماته، والاجتهاد في الطاعات فبهذا تكون الولاية الحقة إذا إن بعض الناس قد يغالي فيثبتها لغير أهلها، وأهل السنة والجماعة يثبتونها لمن أثبتها الله تعالى له بقوله ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ ( كما أن الناس في الكرامة بين من يثبتها مطلقاً، بمجرد كون ذلك الأمر خارقا للعادة، ومن ينفيها، وتوسط في هذا أهل السنة والجماعة فأثبتوها لعباد الله الصالحين لكنها لا تصل إلى خوارق الأنبياء فكان من الأهمية إيضاح هذه الأمور.
الأدلة من القرآن الكريم: قال تعالى: ﴿ اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (). فهذه الآية هي ثمرة ولايته لعباده المؤمنين، وهي إخراجه لهم من الظلمات إلى النور، وهي مترتبة على الآية التي قبلها وهي قوله تعالى:﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾( قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: ( وهذه الآية مترتبة على الآية التي قبلها، فالسابقة هي الأساس وهذه هي الثمرة ) (.
وقال تعالى:﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿55﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ ( قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ : ( فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى، فكل من كان مؤمنا تقياً كان لله ولياً، ومن كان لله ولياً فهو ولي لرسوله، ومن تولّى الله ورسوله كان تمام ذلك تولّي من تولاه وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهراً وباطناً، وأخلصوا للمعبود بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها، وقوله ﴿ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ أي خالصون لله ذليلون () ثم قال ـ رحمه الله ـ : ( فأداة الحصر في قوله ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين والتبري من ولاية غيرهم)(
وقال تعالى: ﴿ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴿126﴾ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ( قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ : ( وإنما تولاهم بسبب أعمالهم الصالحة، ومقدماتهم التي قصدوا بها رضى مولاهم، بخلاف من أعرض عن مولاه، واتبع هواه، فإنه سلط عليه الشيطان فتولاه، فأفسد عليه دينه ودنياه)(). وقال تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّـهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾(). قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : ( فالمؤمنون الصالحون لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى، ولم يتولوا غيرهم ممن لا ينفع ولا يضر تولاهم الله ولطف بهم وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة في دينهم ودنياهم، ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ ﴾().
وقال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ( قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾( وهم الذين آمنوا بالله ورسوله وأفردوا الله بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين)(
وقال تعالى : ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ ( قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : (أي متولي أمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره، وليس في أيدينا من الأمر شيء)(
وقال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿63﴾ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾( قال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ﴿ يخبر تعالى أن أولياءه الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسّرهم بهم، فكل من كان تقياً كان لله ولياً ﴾ ().
وقال تعالى ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾( قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : قوله تعالى: ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ ﴾ : أي حافظكم وناصركم ومظفركم على أعدائكم ﴿ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ يعني نعم الولي، ونعم الناصر من الأعداء)(). وقال تعالى:﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾(). قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : قوله ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فتولاهم برحمته، فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وتولى جزاؤهم ونصرهم. ﴿ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ ﴾ بالله تعالى، حيث قطعوا عنهم ولاية الله وسدوا على أنفسهم رحمته. ﴿ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾: يهديهم إلى سبل السلام، ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه، بل أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)().
وقال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾(). قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى: ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ﴾ يحثونهم في الدنيا على الخير ويزينونه لهم ويرهبونهم عن الشر ويقبحونه في قلوبهم ويدعون الله لهم ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف وخصوصاً عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها على الصراط، وفي الجنة، ويهنؤنهم بكرامة ربهم ويدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار)(
الأدلة من السنة:
الحديث الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "(.
الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " انطلق ثلاثة رهطٍ ممن كان قبلكم حتى آووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا ومالاً، فنأى بي في طلب شيءٍ قوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقمها فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقال الآخر: اللهم كنت لي بنت عمٍ كانت أحب الناس إليّ فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمَّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت حتى إذا قدرت عليها، قالت: لا أُحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه ، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدّ إليّ أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزيء بي. فقلت : إني لا أستهزيءُ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون"(
الحديث الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعةً فكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج! فقال: يا رب أمي وصلاتي ، فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج ! فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل إلى صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ، فقالت: يا جريج ! فقال: أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر في وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته وكانت امرأة بغيٌّ يتمثل بحسنها ، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم، قال فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا، كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت ، قالت: هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال: ماشأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال: أين الصبي ؟ فجاؤا به فقال: دعوني حتى أُصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي قال: فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب قال: لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه مر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع. قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها، قال: مروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث، فقلت: حلقى مرّ رجل حسن الهيئة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها ، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، قال: إن ذاك الرجل كان جباراً فقلت: اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها)(.
الحديث الرابع : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الربيَّع ـ وهي ابنة النضرـ كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو، فأبوا ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص ، فقال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيَّع يا رسول الله؟ لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها فقال: يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من عباد الله من لو أقسم على لأبره) (.
الحديث الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون ، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر) زاد زكريا بن أبي زائدة عن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فعمر) () .
الحديث السادس: عن أُسير بن جابر قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس ، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد؟ قال: نعم، قال: ثم من قَرَن؟ قال: نعم ، قال: ألك والدة أنت بها بّرٌ ؟ قال: نعم . قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن ثم: من مراد ثم من قَرَن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)، فاستغفر لي. وفي زيادة ابن القاسم في حديثه قال: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك؟ قال: لأن أكون في غبراء الناس أحب إليّ. قال: فلما كان العام المقبل حج، رجل من أشرافهم فقال عمر: كيف تركت أويساً؟ قال: رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرَن، له والدة هو بها برّ، وكان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فلما قدم الرجل الكوفة أتى أويساً فقال: استغفر لي.فقال: أنت أحدث عهداً بسفرٍ صالحٍ فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم قال: فاستغفر له. قال: ففطن له الناس فانطلق على وجهه حتى أتى الجزيرة فمات بها، قال أُسير: وكسوته بردةً فكان كلما رآه عليه إنسان، قال : من أين لأويس هذا؟ ) (.
الحديث السابع: عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري رضي الله عنه جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلى لنا بالمدينة فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أن فاء الفيء وانكسر الظل قام فأذن فصف الرجال في أدنى الصف وصفَّ الولدان خلفهم وصفَّ النساء خلفهم، ثم أقام الصلاة فتقدم فرفع يده فكبر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة يسرُّهما ثم كبر فركع... ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل إلى الناس بوجهه فقال: (يأيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله -عز وجل- عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟ أنعتهم لنا يعني صفهم لنا، فسُّرَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها فيجعل وجوههم نوراً وثيابهم نوراً يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون(.