قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27-28]. (كانوا يسمعون من النَّبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون) .
- قال تعالى حكايةً عن كتمان يوسف عليه السلام للرؤيا التي رآها بأمر من أبيه: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5]. قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخرُّون له ساجدين إجلالًا، وإكرامًا، واحترامًا، فخشي يعقوب عليه السلام، أن يحدِّث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدًا منهم له؛ ولهذا قال له: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] أي: يحتالوا لك حيلة يردونك فيها... ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر) .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ من أشرَّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)) . قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المُروءَة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) وإن كان إليه حاجة، أو ترتب عليه فائدة، بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره ،كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه)) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة ((أعرَّستم الليلة)) وقال لجابر ((الكيس الكيس)) ) .
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المجالس بالأمانة إلا ثلاثة: مجالس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق)) .
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإنَّ كل ذي نعمة محسود)) . (أي: كونوا لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظفر بها، ثم علل طلب الكتمان لها بقوله: ((فإن كل ذي نعمة محسود)) يعني إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم، وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة ما بعد وقوعها، وأمن الحسد وأخذ منه أن على العقلاء إذا أرادوا التشاور في أمر إخفاء التحاور فيه، ويجتهدوا في طي سرهم) .
- وعن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)) . قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (قوله: "إذا حدَّث الرجل" أي: الإنسان فذكر الرجل غالبي "الحديث" وفي رواية "أخًا له بحديث"، وفي أخرى "إذا حدث رجل رجلًا بحديثثم التفت" أي: غاب عن المجلس أو التفت يمينًا وشمالًا فظهر من حاله بالقرائن أن قصده أن لا يطلع على حديثه غير الذي حدثه به (فهي) أي: الكلمة التي حدثه بها (أمانة) عند المحدث أودعه إياها، فإن حدث بها غيره فقد خالف أمر الله، حيث أدَّى الأمانة إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها، إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قالوا وهذا من جوامع الكلم، لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة، وحسن الصحبة، وكتم السِّر، وحفظ الود، والتحذير من النَّمِيمَة بين الإخوان، المؤدية للشنآن ما لا يخفى)