الكربات الحسية ودورالعمل الصالح في تفريجها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الكربات الحسيــة ودور العمل الصالح في تفريجهـــا
من كتاب أثر العمل الصالح في تفريج الكروب
إعداد
أ.د. فالح بن محمد بن فالح الصغير
الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثانيًا: الكربات الحسية: وهي كثيرة، ومنها:
3- الظلم:
الظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث وهو كربة وبلاء، ظهر منذ أن خلق الله الإنسان، نتيجة لآفات النفس، ورغباتها وأهوائها، من الحسد والغرور والكبرياء، وكذلك الطمع والجشع وحب الذات وكراهية الغير، وغيرها من الأسباب، والمؤمن إذا أصابه شيء من كربة الظلم، بأي شكل من أشكالها من اعتداء أو تعذيب أو أخذ حق وغيره، يجب أن يسارع إلى الله تعالى، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، ليرفع عنه هذه الكربة ويبدلها فرجًا وسرورًا، وعزة وانتصارًا، بشرط أن يعاون هذا التضرع إلى الله الاجتهاد في العبادة والإخلاص في الأعمال، وتصفية النية، وترك المعاصي، لقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11]، فعندها يقبل الله تعالى دعوته ولا يرده خائبًا، بل سيعجل له بالفرج القريب والظفر الأكيد على عدوه وظالميه، يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: «ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده».
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - عندما بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
وإن طال الفرج أو تأخر قليلاً فلحكمة من عند الله تعالى لا يعلمها إلا هو، ربما يكون فيه خير للإنسان وذخر له يوم القيامة، وربما يجعل الله تعالى سعادة هذا الإنسان المبتلى بالظلم في تلك اللحظات التي يظلم فيها ويضطهد، لأنه سبحانه وتعالى يلقي عليه رداء السكينة والراحة النفسية، ويزيد من إيمانه ويقينه لأمر الله، لذلك كان بعض السلف الصالح يقولون: لو علمت الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه –يعني من الراحة النفسية- لجالدونا عليه بالسيوف.
فعلى المظلوم المكروب أن يعود إلى ربه ويعمل صالحًا وسينتقم الله تعالى من الظالم ولو بعد حين، لأن عقوبات الظلم معجلة في الدنيا قبل الآخرة، والشواهد التاريخية والواقعية أكثر من أن تحصر، فهؤلاء رسل الله وأنبياؤه وقع عليهم ظلم من أقوامهم فانتصر الله لهم: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40]، ووقع على كثير من سلف الأمة ما وقع كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم كثير رحمهم لله، فكانوا أئمة يقتدى بأقوالهم، والذي يجب الحذر منه ألا يرد الظلم بظلم.
4- الزلازل والأعاصير والكوارث الأخرى:
وهي إما عقوبة وعذاب للعباد على تماديهم في العصيان وانتهاك حرمات الله، من الظلم والسفور والخمور والزنا، وغيرها من المعاصي، أو ابتلاء لا يعلم مغزاها وعلتها إلا مدبرها وخالقها عز وجل وهي في الحالتين آيات وعبر ودروس وعظات للآخرين، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تشير في معظمها أنها كانت للأمم السابقة نتيجة كفرهم وشركهم وظلمهم، وحربهم لأنبياء الله وقتلهم لهم يقول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102].
وقوله تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل: 112].
وإن صلاح الأعمال وإخلاص النيات لله تعالى من أهم ما يدفع عن الناس كربات العقوبات الإلهية الدنيوية من الزلازل والحرائق والأعاصير وغيرها يقول الله تعالى عن قوم يونس الذين نفعهم إيمانهم الذي دفع عنهم عذاب الله تعالى في الحياة الدنيا: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس: 98].
ويقول أيضًا: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود: 117].
هذا إضافة إلى الاستكثار من الذكر والاستغفار والتوبة في كل وقت، ليكون الإنسان في مأمن من هذا الذي أصاب تلك الأمم بسبب غفلتهم وحيادهم عن منهج الله تعالى، يقول الباري عز وجل: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33].
5- الخسائر التجارية:
وما هي إلا جزاء غبن أو غش أو حيلة أو خداع فرب ربح تجاري أو كسب مادي يغشي صاحبه وينسيه وسيلة ربحه وكسبه، ولا يدري أنه استدراج من حيث لا يعلم، فيأخذه الغرور ويغفل عن محارم الله وأوامره فيزداد تحايلاً ومراوغة في عمله، إلى أن يأتي أمر الله وتجيء الخسارة الكبرى في إحدى ساعات الغفلة، فينسفها الله نسفًا، كأن لم تكن، فتكون ضربة قاصمة في بنيان ما اكتسبته يداه من غير حق ولا تقوى فيدخل هذا التاجر في كربة عظيمة ربما تؤدي به إلى الموت كما يحدث لكثير من الناس، إذا تعرضت مصالحهم لخسائر يصابون بسكتات قلبية فور سماع الخبر، فما أعظم هذه الكربة على الإنسان الذي جعل ماله في قلبه ولم يجعله في يديه، وهو في الوقت نفسه بلاء من الله تعالى كما أخبرنا في كتابه العزيز: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ... } [البقرة: 155].
والدليل على معظم هذه الخسائر تكون نتيجة البعد عن الله في التعامل والكسب، هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما ذهب إلى السوق ونادى في التجار: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق» . والاستثناء دائمًا يكون للقلة من الكثرة، والحديث يبين أن تقوى الله ومراقبته في التعامل هو الذي ينجي التاجر من عذاب الله وعقابه، ويبارك في كسبه وماله، وذلك بتحليل المال في مشروعية وسائل كسبه وتصفيته من الشبهات والآثام لاسيما في هذا العصر الذي انتشر فيه الربا انتشار النار في الهشيم، وكذا الزكاة والإنفاق في وجوه الخير، يقول الله تبارك وتعالى: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } [البقرة: 276]، هذه الآية كافية للانتهاء عن محارم الله والتزام حدوده في المعاملات التجارية والمالية، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» ، ويقول أيضًا: «ما نقص مال عبد من صدقة» .
فلينتبه المسلم ويقم تعامله المالي على المشروع في موارده ومصارفه وتعامله وإخراج زكاته، وهنا ينمو ويزداد ويسلم من شره وعواقبه، ويكون نافعًا له في الدنيا بمزيد البركة وبالاستغناء عن الناس وبالطمأنينة القلبية، ويكون نافعًا في الآخرة برفعة الدرجات والحجاب عن النار وتكفير السيئات ودخول الجنان.
6- المرض:
هو كربة تصيب الإنسان في جسده فيعاني آلامًا وأوجاعًا، ويحرم الطعام اللذيذ والشراب الهانئ، ويحرم كثيرًا من متاع الدنيا المباح، وهذه الكربة تجري على الناس كافة، صغار وكبار، رجال ونساء، شباب وشيوخ، إلا أن العاقل والمؤمن بالله هو الذي يتعامل مع هذه الكربة التعامل الشرعي من الصبر على هذه الكربة ويلجأ إلى ربه بالعمل الصالح الدءوب، والدعاء اللحوح، ليكشف عنه ضره وكربته، ولا ييأس من فضل الله ورحمته، وليكن قدوته في ذلك وأسوته نبي الله أيوب عليه السلام الذي أصيب بكربة المرض، بعد أن كان صحيحًا قويًا فأذهبت عنه هذه الكربة عافيته، وقوته وطالت مدتها، وازداد فعلها وأثرها في جسده، حتى تركه أهله وأقرباؤه فنادى ربه بدعاء صادق يقول الله تعالى عنه: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 83، 84].
وكان نبي الله أيوب عليه السلام قبل مرضه من المنفقين في سبيل الله بكافة أوجهه، فقد كان من الأغنياء الكبار في عصره، فابتلاه الله تعالى بأخذ ماله وأملاكه فصبر وشكر، إلى أن ابتلاه بكربة المرض الذي عافاه الله تعالى منه بعد أن هجره الناس وتركوه وحيدًا فلم يكن له سوى اللجوء إلى ربه وخالقه فكشف الله عنه كربته وأعاد إليه عافيته وأمواله وأملاكه، بل قيل أنه صار أغنى مما كان من قبل.
وقد روى أبو بردة عن أبي موسى قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ولا مرتين يقول: «إذاكان العبد يعمل عملاً صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم».
ولا يستهين الإنسان المريض أو أهله بالإنفاق في سبيل الله والاستكثار من الصدقات فإنها تدفع عن الإنسان البلاء، وتشفي الأسقام، وترضي الله تعالى.
كانت تلك بعض الكربات التي تصيب الإنسان في نفسه وبدنه وماله وغير ذلك، وفي بعض مراحل حياته، ابتلاء أو عقوبة، وكانت الوسيلة المشتركة لتفريج تلك الكربات هي تقديم بعض الأعمال الصالحة والدعوات الصادقة بين يدي الله عز وجل فهو القاهر فوق عبادة وهو الغفور الرحيم.
***
ثم إن المؤمن مطالب بقدر ما لديه من وسائل وإمكانات، أن يفرج عن أخيه المؤمن من كربته، سواء النفسية أو الحسية، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولأن هذا العمل سوف يوضع في رصيده عند الله تعالى، ليفرج ربه سبحانه عنه كربة في يوم لا ناصر له ولا معين، يقول الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاحته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
وفي هذا المقام يستحب التذكير بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الحافل بأمور عظيمة قد يغفل عنها كثير من الناس، يقول: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل،،،
===================
|