لم تبق إلا أيام معدودات، ويحل بنا شهر الخير والبركات، شهر كان يحرص رسولنا الكريم صلوات الله عليه وآله [ على تنبيه أصحابه إلى قرب قدومه، حتى يستعدوا له،فقد جاءت الروايات عن اهل بيت العصمة عليهم السلام انه "كان رسول الله (صلى الله عليه واله ) [ يقول قد أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم" إن شهراً هذه خصائصه، وتلك خيراته، لجدير بأن نفكر له، ونخطط لاستقباله، ولحقيق بأن نتلهف شوقاً للقائه، لما فيه من نفحات إيمانية، وروح ملائكية، وهبات إلهية، ومكرمات ربانية.
السلف الصالح وشهر رمضان:
هناك ثمة أعمال يلزم أن يؤديها البيت المسلم، كي يُحسن استقبال هذا الشهر الكريم، وهذه الأعمال يمكن إيجازها في ستة أعمال هي:
أولاً وقفة محاسبة : وأعني بها أن يقف المسلم مع نفسه وقفة تقويمية، يحاسب فيها نفسه على ما أسرف من ذنوب ومعاصٍ، وعلى ما فرَّط في جنب الله، وعلى ما أضاع من وقت، وعلى ما قصَّر في الطاعات، يقول الحق سبحانه:[ يّا أّيَهّا الَّذٌينّ آمّنٍوا تَّقٍوا اللَّهّ ّلًتّنظٍرً نّفًسِ مَّا قّدَّمّتً لٌغّدُ ّاتَّقٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ خّبٌيرِ بٌمّا تّعًمّلٍونّ(18)ّلا تّكٍونٍوا كّالَّذٌينّ نّسٍوا اللَّهّ فّأّنسّاهٍمً أّنفٍسّهٍمً أٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الًفّاسٌقٍونّ 19 ](الحشر).
إن خلوة المسلم بنفسه قبل رمضان، وبشكل دوري في سائر الأوقات لمحاسبتها عما بدر منها من الأقوال، والأفعال، ووزنها بميزان الشرع، لمن الأمور المهمة في التغيير الإيجابي في الشخصية المسلمة، كما أنها من علامات المؤمن. في اقوال اهل اليت عليهم السلام نقرأ "لا تلقى المؤمن إلا بحساب نفسه ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه، ومن أقوالهم"إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته". قيل : "لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل "النفس كالشريك الخوَّان؛ إن لم تحاسبه ذهب بمالك". وينبغي لرب البيت المسلم أن يبادر بذلك، ويبدأ بنفسه، حتى يكون قدوة لأهل بيته، ثم يدعو رعيته إلى ذلك، وينبههم إلى اغتنام فرصة رمضان، وذلك في جلسة خاصة، يكون قد خطط لها جيداً. والمحاسبة لازمة لتقويم المسلم في جميع الأوقات؛ فينبغي أن يفرد لها المسلم
(مكتوب في حكمة داود حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات، وإجماماً للقلوب".) وقد نبَّه الشاعر إلى فرح الإنسان بالدنيا وغفلته عن المحاسبة في قوله: إنا لنفرح بالأيام نقطعها ..وكلُّ يوم مضى يُدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً.. فإنما الربح والخسران في العمل
ثانياً الاستغفار والتوبة : فكل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون، وما دام ابن آدم خطاء.. فلا بد أنه بعد المحاسبة سيقف على أخطائه ويحددها، ومن ثم يجب أن يسعى إلى الدعاء والاستغفار، كي يغفر الله عز وجل له، كما تجب عليه التوبة.. ولأهمية التوبة فقد أفردتُّ لها المقال السابق، وبقي لي أن أدعو نفسي وكل رُعاة البيوت المسلمة أن نقرأ جميعاً باب التوبة من كتاب رياض الصالحين، ومفاتيح الجنان أو غيره من الكتب التي عالجت هذا الباب العظيم.
ثالثاً تجهيزالاولاد نفسيا لاستقبال هذا الشهر العظيم .. مايحدث عند الكثير من اسرنا انها تذهب للاسواق لتبتاع مالذ وطاب من الاطعمة لدرجة ان التسوق لشهر رمضان يختلف من حيث الكم والنوع عن بقية الشهور حتى ان الكثير من الابناء نتيجة للسلوك الخاطئ من الاهل اصبحوا يحبون شهر رمضان لانه شهر الاطعمة اللذيذة والمنوعة! علينا ان نبين بسلوكنا المعاني الحقيقية لهذا الشهر وان نربي انفسنا واولادنا على الجوع وقلة الطعام حتى تتحقق فلسفة الصيام .
رابعاً تدريب النفس والأهل والأولاد : على العبادات الرمضانية في شهر شعبان، كالصيام، والقيام، والصدقات... وغير ذلك. فقد روي كان رسول الله [ يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان" فمن فوائد الصوم في شعبان أنه تمرين وتدريب على صيام رمضان، حتى لا يجد المسلم مشقة في صيام رمضان، بل يكون قد تمرّس على الصوم، فيدخل رمضان بهمّة ونشاط وقوة، فشعبان مقدّمة لرمضان، ومن ثمّ فمن المفيد لأفراد البيت المسلم أن يتدربوا على عبادات رمضان في شعبان، كالقيام، والصيام، وتلاوة القرآن، والصدقة... وغير وذكر بعض أهل العلم أن السبب في كثرة صيام النبي [ في شعبان أنه شهر يغفل الناس عنه بين شهرين عظيمين شهر رجب الفرد.. وهو من الأشهر الحرم، وشهر رمضان المعظّم، واستشهدوا برده [ على أسامة بن زيد عندما سأله عن كثرة صيامه في شعبان فقال "ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"
خامساً إصلاح ذات البين :
ويكفي المسلم هنا أن يُصغي إلى قول الله عز وجل:[ فّاتَّقٍوا اللَّهّ ّأّصًلٌحٍوا ذّاتّ بّيًنٌكٍمً ّأّطٌيعٍوا اللَّهّ ّرّسٍولّهٍ إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ](الأنفال)، فإذا ما أصغى واستمع وأنصت ووعى، فلا بد من أن يستجيب ويُنفذ ويطيع ربه سبحانه ورسوله [، ومن ثم يسعى المسلم للتصالح والتسامح والتغافر مع أقاربه وأصدقائه، وجيرانه وزملائه، في العمل وسائر المسلمين.
سادساً صلة الرحم : فإذا كان الشرع الحنيف دعانا إلى ذلك في سائر الأوقات، فإن ذلك في شهر رمضان أنفع وأنسب لاقتناص هذا الخير، قال تعالى محذراً من قطيعة الرحم :[فّهّلً عّسّيًتٍمً إن تّوّلَّيًتٍمً أّن تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ ّتٍقّطٌَعٍوا أّرًحّامّكٍمً 22أٍوًلّئٌكّ الَّذٌينّ لّعّنّهٍمٍ اللَّهٍ فّأّصّمَّهٍمً ّأّعًمّى" أّبًصّارّهٍمً 23 ](محمد). ........
وفقنا الله وأياكم لبلوغ شهر الصيام وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال