كتاب الأنساب للصحاري : خبر مسير الأزد حين أخرجهم سيل العرم وتفرقهم في البلاد
الصحاري
هو العلامة أبو المنذر سلمة بن مسلم بن إبراهيم العوتبي الصحاري . ولد المؤلف في مدينة عوتب من منطقة صحار في القرن الخامس الهجري ـ
وهو صاحب مصنفات عديدة في علوم مختلفة فقد ألف في علم التاريخ والأنساب كتاب (الأنساب)
وألف في علم اللغة كتابه (الإبانة في اللغة والأدب) وفي الفقه ألف (كتابه الضياء)
وغير ذلك من الكتب والرسائل التي تشهد لسعة علم هذا العالم العماني .
موضوع الكتاب ( الأنساب ) : الكتاب في علم الأنساب، وهو علم مهم انفردت به الأمة العربية من بين سائر الأمم وكان اهتمامهم بهذا العلم اهتماما متميزا عن غيرهم من الأمم .
فالمجتمع العربي قبل الإسلام وبعده مجتمع قبلي وقد حث الاسلام على تعلم الانسان كما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام :
(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )
نسخ مخطوطات الكتاب :
يوجد للكتاب عدة نسخ مخطوطة في بلدان مختلفة منها في سلطنة عمان بدائرة المخطوطات بوزارة التراث والثقافة وباريس وبولونيا وفي مصر .
التعريف بكتاب الأنساب : يعد هذا الكتاب من أهم الكتب العمانية في علم الأنساب، إذ إن من أتى بعده من النسابة العمانيين عول عليه ،
فقد استفاد منه الشيخ سرحان بن سعيد الأزكوي في كتابه كشف الغمة، وابن رزيق في كافة مؤلفاته التاريخية ،
والعلامه نور الدين السالمي في تحفة الأعيان، والشيخ سالم بن حمود السيابي في كتابه إسعاف الأعيان .
وقد ذكر العوتبي سبب تأليفه هذا الكتاب : أنه رأى كثيرا من الأشراف يجهلون أنسابهم، وبعضا من الناس ينسب نفسه إلى غير أبيه، ليتشدق به ويفاخر .
ولكون علم الأنساب يفيد طالب الأدب والعلم والفقه وبالأخص طالب علم الحديث أنه بتعلم النسب يأمن الوقوع في اللبس والتصحيف في أسماء الرواة .
( ماذكره الصحاري عن خبر مسير الأزد )
خبر مسير الأزد حين أخرجهم سيل العرم وتفرقهم في البلاد :
قال: ثم أن الأزد لما خرجوا من جنتي مأرب حين احسوا سيل العرم، وساروا في مسيرهم ذلك، حتى وصلوا إلى مكة وبها يومئذ جرهم بن قحطان .
وكان من امرهم ما قصصناه، فأقامت الأزد بمكة حتى أتتهم روادهم، فعند ذلك افترقوا من مكة فرقا، كما ذكرناه في أصل القصة. فكان كل فرق منهم
في أرض وبلاد ز فمنهم من نزل السروات . ثم افترقوا من السروات. فسار بعضهم إلى عمان، وأقام منهم من أقام بالسروات، ونزل بعضهم السهل .
ومنهم من تخلف بمكة، وما حولها. ومنهم من سار إلى يثرب. ومنهم من خرج إلى العراق.
وسار ثعلبة وجفنة إبنا عمرو بن عامر، ومن بقي من إخوتهم وقومهم، فنزلوا بالمشلل نبين قديد والجحفة، على ماء يقال له غسان، فاقاموا به زمانا،
فسموا بذلك الماء غسانا. وقد ذكرنا الاختلاف في تسميتهم غسانا في موضع قبل هذا. ثم انهم نهضوا من بعد ذلك حتى لحقوا بأرض الشام: وكان
منهم ملوك غسان بالشام وكان من أمرهم ما قد ذكرنا، قبل هذا.
وكان نزول غسان الشام، في عهد عيسى بن مريم، عليه السلام، وأن غسان إنما نزلت الشام، بعد مسير الأزد من مأرب ونزول الأزد في البلدان،
من نزل منهم بالسراة، وعمان، وبطن مرّ ويثرب، والعراق.
وقال بعضهم ان الأزد خرجت من مأرب، ومعها قضاعة، افترقت، فنزل وادعة بن عمرو بن عامر أرض ضوار، فصاروا مع همدان. ونزل عك
بن عدنان بن عبد الله بن الأزد شمام، وشردد، ومرد، وهذه أرضون من تهامة على ساحل البحر. ثم سار الباقون من الأزد حتى نزلوا الناصف من أبيدة،
وهو واد فيما بين نجد والسروات في سند جبل السراة، وهو احد مجامع شتوة اليوم، الذي يجمعهم فيه المصدق.
وافترقت الأزد من أبيدة، فرقا ثلاثا: فسارت فرقة منهم، ومعهم مهرة بن جيدان بن عمرو بن الحاف، وقضاعة بن مالك بن حمير، ومالك وعمرو
ابنا فهم تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن الحاف بن قظاعة، في قبائل قضاعة ومن استجمع معهم من اليمن، وقد ملكوا عليهم مالك
بن فهم الأزدي، فسار بهم مالك بن فهم على اليمانية. ثم سار بهم على برهوت، وهو واد بحضرموت، ثم جنب الخيل وامتطى الابل، وجعل على مقدمته
ابنه هناة بن مالك في ألفي فارس من صناديد الازد وفرسانهم، وجعل يجد السير حتى انصب على عمان في طريق الشحر، وقد تخلفت مهرة فنزلت ارض الشحر.
(1/233)
وتقدم مالك بن فهم الأزدي، في قبائل الأزد. ومالك وعمرو ابنا فهم ابن تيم الله نوقضاعة حتى وردوا إلى ارض عمان. وانما سميت عمان
لأن منازلهم كانت على واد لهم بمأرب يقال لع عمان، فسموها به.
وفرقة من الأزد، أقامت بموضعها، فنزلوا السروات من الجبل، وبعضهم نزل السهل. وأقامت معهم قبائل قضاعة. منهم نهيد، وسعد، وهديم
بنو زيد بن ليث بن سود بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير.
ومنهم حزم بن ريان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وولده الثلاثة: مالك بن حزم، وجدة بن حزم، وباجية بن حزم. ومن ولد ولده
راسب بن الخزرج بن جدة بن حزم. فأقاموا في السهل، مع من أقام به من قبائل الأزد.
ونزل سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر،
جبل بارق، وتبرق، فسمي بارقا. ونزل معه ابن اخيه مالك بن عمرو بن عدي بن حارثة ابن عمر بن نجران، وهم من بني الحارث بن كعب بن
أبي حارثة بن عمرو بن عامر. وقد كانت بنو الحارث بن كعب قبل ذلك، عند خروجهم من الجنتين، قد سكنوا نجران، فدخلوا في مدجج، وانتسبوا فيهم،
فهم يعرفون بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن مدجح، وهم ساكنو نجران.
وفرقة من الأزد، توجهت قبل مكة، فانخزعت عنهم خزاعة، فنزلوا مكة، وبطن مر. فأقاموا بهذه البلاد زفسموا خزاعة. فاقام بها حارثة، وهو
خزاعة بن عمرو بن عامر، وهو الذي ولي أمر مكة نوحجابة الكعبة. وولد له ربيعة، وهو الملقب لحيّ وأقصى، وكعب، وعدي. ولي من بعده أمر
مكة وسدانة البيت إبنه ربيعة لحيّ البيت.
ومضى الباقون، وهم آل جفنة، من غسان، سار بهم ثعلبة بن عمرو ابن عامر فنزل على ماء يقال له غسان بين قديد والجحفة. واقاموا بها زمانا،
فسموا بذلك الماء غسانا. وهو بالمشلل. ثم سار بهم ثعلبة بن عمرو بن عامر حتى نزل بهم أرض الشام. وعظم شأنه. ومنهم كانت ملوك آل جفنة
من غسان بالشام. وقال قوم بل سموا غسانا بماء كانوا ينزلونه بجنتي مأرب، يقال له غسان. وكانت بنو مازن بن الأزد ينزلونه دون إخوتهم،
وبني أمهم من الأزد. وكان الرجل من الأزد، وغيرهم إذا جاء يطلبهم الأمر، قال: أريد غسانا. فاستمرت تسميتهم بذلك. وقد ذكرت هذه الاختلافات
فيما تقدم من نسب غسان، قبل هذا.
ثم ظعنت عنهم الاوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر. امهما قيلة بنت عمرو بن جفنة بن عمرو بن عامر. فنزلوا يثرب.
وقال بعضهم بل امهما قيلة بنت كاهل بن عمرو بن سود بن اسلم بن عمرو بن الجاف بن قصاعة. فلما اكرمهم الله بنصر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
وسماهم الله انصارا فصار اسما ونسبا.
واقام مع الاوس والخزرج، آل المحرق، وهي رهط القطيون عامر بن عامر بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الحارث المحرق بن عمرو بن عامر. فنزلوا معهم يثرب.
واقام ايضا مع الاوس والخزرج، ابنا حارثة بنو الاصم بن ثعلبة بن جفنة وهو الحارث بن عامر. ومضى الباقون إلى الشام، فنزلوا اذرعات، وقر الثنية،
" أو في نسخة الثنية " ، ومن ارض دمشق فهم غسان وغسان نحو الشام. وقد قال حسان بن ثابت الانصاري.
واما من سكن العراق من الازد فجذيمة الابرش، وهو الوضاح بن مالك بن فهم ومن كان معه بالحيرة من غسان، ومن آل محرق، فملكوا امرهم
جذيمة الابرش. فسار بهم حتى نزل السواد. فملك الحيرة والعراق، وشطي الفرات ستين سنة، وتجبر وعظم شأنه. وقتل دارا بن دارا ملك الفرس،
وكان من امره ما كان، وهو رب العصا. والعصا اسم فرس كان مشهورا. وهو الذي قتل الزباء. وغلب على ملكها. والجأ الزباء إلى طرف من مملكة ابيها،
لغلبته اياها على كثرة ممالكها. وكان ابو الزباء ملكا بالشام، فقتله جذيمة، وذلك قبل غلبة غسان على لشام وقتلهم من كان من امره. وامر الزباء، وقد ذكرناه
في موضع بعد هذا عند ذكر جذيمة.
ومضى الباقون من الزد، حتى نزلوا البحرن، وحجر اليمامة. ثم ترحل عامتهم ولحقوا باصحابهم الذين ذهبوا من قبل لبشحر إلى عمان، ومعهم قضاعة
بن جشم بن جلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وعايد بن حلوان، وهما في الغير من غسان.
ونزلت ثمالة، وابو ثمالة عوف بن اسلم بن احجر بن كعب بن
الحارث بم كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، فأقامت بأرض نجد إلى الطائف منقطعة عن السروات. وبين ثمالة والسروات قبائل من عيلان.
(1/234)
واما من نزل عمان من الازد، وكان اول من لحق بها منهم، مالك بن فهم الازدي، فيمن تبعه من ولده وقومه الازد، وغيرهم، من احياء قضاعة.
ثم لحقت به قبائل الازد من بعد طريق البحرين. وكان قد حدثنا خالد بنخداش، عن اشياخه. قال: لما أغرق مأرب سيل العرم، مضت قبائل الازد يرتادون منزلا،
فنزلوا بمكان يدعى ذا الاراك وبهم سمي ذلك، وذلك ان ابلهم كانت اوارك، فبعرت به فانبت الاراك. ثم ساروا من ذي الاراك يرتادون حتى نزلوا موضع
حجر في اليمامة. وحجر عمران بن عمرو بن عمر وانما سمي حجرا باسم حجر اليمامة لانه ولد به، ثم انهم استوخوا منزلهم، فارسلوا روادهم في لبلاد،
فأتوهم حامدين للبحرن، واصفين لها بالخصب، فساروا اليها فنزلوها واستوخموها، ففرقوا روادهم يرتادون منزلا فأتوهم فخبروهم عن ريف عمان
وطيبها وعلايها. فساروا اليها، حتى لحقوا بملكهم، وهو إذ ذاك مالك بن فهم الازدي، ومن كان معه من الازد، فنزلوا معه بعمان إلى جانب شطها
الشرقي وينتقل منهم إلى غيره.
فكان اول من خرج من الزد اللا عمان، ولحق مالك بن فهم، عمران ابن عمرو بن عامر ماء السماء. وعمران هم جد العتيك. وخرج معه ابناه الحجر
والاسد أبناء عمران بن عمرو مزيقيا بن ماء السماء. ولقام بنو عقب بن ثوبان بن سهيل بن عمران بالسراة.
قال: وكان سبب خروج عمران بن عمرو بن عامر إلى عمان، انه كان قد غضب على بني عمه بني مازن بن الازد، ففارقهم، فلحق بعمان، ففي قصة
يقول الملتمس في شيء كان بينه وبين قومه: كونوا كعمران لم يسكن بمسكنه ... فقال ضيق وحسن شانى رصد
شد المطية بالانساع فانتطغت ... نحو البسيطة حتى مسها النجد
وكأن ارض عمان بعد مسكنه ... من بعد ضيق يكون رحبه بلد
ان الهوان حمار الذل يعرفه ... والمرء ينكره والحسرة الاجد
ولا يقيم بدار الذل يعرفها ... الا الحمار حمار الاهل والوتد
هذا على الخسف مربوط بزمته ... وذا يسح ولا يبكي له احد
ينوي عمان على بعد فاحمدها ... من بعد ضيق فكان الرحب والبلد
وكان من خرج الىعمان، وسكنها من بعد عمران، قيس وهنيل، أبناء ثوباء بن سهيل بن عمران. والحجر والاسود ابنا عمران، ككما ذكرنا فقبائل الحجر بن عمران:
عود بن سود بن حجر، واياد بن سود، وعبد الله ابن اسود، وعلي بن اسود، وطاحية بن اسود. فهؤلاء بنو سود بن الحجر بن عمران.
ومنهم زهران بن الحجر، وهداد بن زيد مناة بن الحجر.
وقبائل الاسد بن عمران: العتيك بن الاسود، وبنو الحارث، وهو ابو وائل بن الاسد وبنو ثعلبة بن الاسد، وبنو سلمة بن الاسد بن عمران. فكان
بعد ذلك العتيك بن الاسد، سيد ولد عمران، ورئيسهم. وامه هند بنت سامة بن لؤى بن غالب. ثم خرجت الربعة. واسمه ربعة بن الحارث بن عبد الله بن
عامر بن الغطريف، واخوته من بني الحرث بن عبد الله.
وخرجت مدلاس بن عمرو بن عدي بن حارثة بن عمرو مزيقيا، فدخلت في هداد علىنسب فيهم .
ثم خرجت عرمان بن عمرو بن الأزد . ثم خرجت اليحمد بن حمى، واسم حمى عبد الله بن عثمان بن نصر بن زهران.
ثم خرجت بنو غنم بن غلب بن عثمان، وبطونها جذيمة بن غنم، وسعد بن غنم. ثم خرجت الحدان، واخوتها زياد، وهو الندب الاصغر،
وبالسراة منهم كثير، ومعولة ونحو بني شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان. ثم خرجت الندب، وهو الندب الاكبر، ونكل بن الهنى بن الهور بن هنو بن الازد،
فدخلت الندب في بني غالب بن عثمان، فقالوا الندب بن غالب، وخرجت الضيق بن عمرو بن الازد، فدخلت في عبد القيس بن غالب، فانتسب منهم.
وخرجت ناس من بني غامد بن عببد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد. وخرجت ناس من خوالة.
فخرجت هذه القبائل كلها على راياتها، لا يمرون باحد الا اكلوه. فساروا إلى عشائرهم الازد بعمان، حتى نزلوها واقتطعوها. فملأوها، واقاموا في بلد
ريف، وخير واتساع.
وقال، وسسمت الازد عمان عمانا، لأن منزلهم كانت على ود لهم بمأرب يقال له عمان فشبهوها به. فسموها عمان. وتسمى بالفارسية مزون. وفيها يقول بعض العرب:
(1/235)
ان كسرى سمى عمان مزونا ... ومزون يا صاح خير بلاد
بلدة ذات مزرع ونخيل ... ومراع ومشرب غير صاد
قال، ونزلت قبائل الازد تنتقل إلى عمان، حتى كثروا بها، وقويت ايديهم واشتدت شوكتهم، وتظاهر بعضهم إلى بعض. لم نذكر من مصاهرتهم
ومناسبتهم شيئا لطوله. ثم انهم ملأوا عمان فانتشروا منها حتى نزلوا البحرين، وهجر، وفي ذلك يقول شاعرهم، وهو عامر بن ثعلبة، حين نزلوا عمان:
ابلغ ابيدة اني غير ساكنها ... ولو تجمع فيها الماء والشجر
ولا اقيم بذي الاحقاف من طربى ... كما تروح إلى اوطانها البقر
ولا اقيم بقملى لا افارقها ... كما يناط بخنب الراكب العمر
من بارض عمان سادة رجح ... عند اللقاء وحي دارهم هجر
فالازد، اول من نزل بعمان من العرب، بعدهم سائر الناس. وذكر آخرون ان نزار كثرت بناحية البحرين.