سؤال جذاب يجيب عليه الدكتور عادل صادق في كتابه الموسوم بذات السؤال.
الأمر ليس مستحيلاً وليس سهلاً أيضاً! فقبل أن تكون عظيماً عليك أن تعرف لماذا وكيف تحيا, وأن تستبين سبيل مواجهة الحياة, بما فيها من مشاكل عمل, وتتقن التعامل مع شخصيات لا تطاق! وأن تسيطر على مشاعر الغيرة لديك, وتداوي داء الشك إن كنت مبتلياً به, وتيقن أن الفشل ليس إلا خطوة نحو النجاح.
وتسعى لأن تكون من ذوي الوجدان الفطن. وتمحو كلمة مستحيل من ملفات عقلك! كما يؤكد صادق في الفصل الأول من كتابه:
«أي شيء في الحياة غير الموت يمكن التفاوض حوله، أي لا مستحيل، لا يأس، ويظل هناك أمل، يظل الباب مواربًا، تظل الدعوة للمحاولة قائمة، والمحاولة هي جهد إنساني، عمل، إرادة، خطة، تصميم، فعل، مشيئة إنسانية، فالإنسان يشاء، وإن شاء حاول واجتهد، وأقدم بالفطرة أو بالخبرة والعلم، وقد يحتاج الأمر إلى شجاعة وجسارة وتحدٍّ، لكن يوجد هنا سؤال يطرح نفسه: هل ينتصر الإنسان دائمًا؟، والإجابة بالقطع لا، بل ينهزم أحيانًا، ويضعف، ويتراجع، ويجبن، ويمرض، وقد ييأس بل إنه قد يفضل الموت، أي يموت بإرادته، ينتحر وتطوى الصفحة.
لكن إذا قررنا أن نعيش فلا بد أن نعيش بالطريقة الصحيحة، وهذا يتطلب أن نفهم لماذا جئنا إلى الحياة؟، وهل في مقدورنا أن نعيش بالطريقة التي تحقق الهدف من مجيئنا؟، وإذا لم نفهم فماذا نفعل؟، هل نستطيع أن نعيش دون أن نفهم؟، الحقيقة أن كثيرين يعيشون دون أن يفهموا لماذا جاءوا إلى هذه الحياة، والبعض الآخر يضع مفهومًا خاصًّا لنفسه، ويعيش وفقًا لهذا المفهوم، وأحيانًا يتحدد أسلوب البعض في الحياة، من خلال المواجهة الحتمية للنهاية وهي الموت، فلأننا سنموت يجب أن نعيش، نعيش لنعيش».
يوضح الدكتور صادق فطنة الوجدان ودورها في تكوين عظمة الإنسان بقوله:
«أما الوجدان فهو الحالة الشعورية المستقرة والثابتة معظم الوقت؛ التي تميز شخصية الإنسان، أو تميز الجانب العاطفي أو الجانب الإنساني في شخصيته، أنت إنسان لأنك تملك وجدانا نشطًا، وإنسان معناها القدرة على العيش والتفاعل مع إنسان آخر.. أما صاحب الوجدان الغبي فلديه علاقات إنسانية مضطربة، لديه صعوبات جمة في الحياة.. دائمًا في حالة مواجهات حادة مع الناس.. هو إنسان تعيس، وهو أيضًا مصدر لتعاسة الآخرين.
أما الفطن الوجداني فهو ذلك الذي يتمتع بعلاقات إيجابية ثرية ومشبعة مع الناس.. دافئ, مشع, مؤثر ومقنع.. هو ذلك الهادئ المتزن المستقر؛ الذي يوحي بالثقة والطمأنينة.. يصل إلى أهدافه، وينجز ويبدع ويضيف.. إنه صاحب الضمير اليقظ، والقلب العطوف، والصدر المتسع المنشرح، واليد الحانية، والقدم التي لا تسعى إلا للخير.. إنه الطاقة والقوة والحيوية والنشاط.. إنه الصدق والشجاعة والأمانة والإخلاص والوفاء، إجمالا إنه الإنسان الحقيقي، إذًا التفاعل الصحي المثمر المشبع الجالب للسعادة مع الناس لا يكون إلا من خلال فطنة الوجدان، ولكن ما هي فطنة الوجدان؟، فطنة الوجدان لها ثلاث حلقات، تتلاحم وتتابع وتتحد، وتقود إحداها إلى الأخرى في تناغم، وهي: النضوج الوجداني، والتواصل الوجداني، والتأثير الوجداني، نضوجنا الوجداني يتحدد بقدرتنا على إدراك مشاعرنا بدقة وموضوعية، وتحكمنا في انفعالاتنا بضمير إيجابي، وبصيرة صائبة، واحتفاظنا بقوة ذاتية الإيجابية، أما تواصلنا الوجداني فيتحدد بقدرتنا على استخدام الحجة القوية في الإقناع، والحسم الإيجابي للصراع، وإظهار القدوة، وريادة التغيير، والحث على نشر روح التعاون والمودة بين الناس، وكل العناصر الثلاثة السابقة تحدد درجة فطنة وجداننا.
إن النضوج الوجداني هو توازن وعدم الميل أو الجنوح.. هو الوعي والإدراك الشامل السليم الموضوعي.. هو الرؤية الأعمق الأبعد من حدود الرؤية البصرية، أي هو البصيرة، وهو الانفعال الهادئ؛ الذي يتناسب مع حجم المؤثر الخارجي، والمحكوم دائمًا بالقوى الذاتية، أو ما يسمى بضبط النفس، ولا نضوج بدون أخلاق.. بل الخلوق ناضج، والناضج خلوق؛ ولذا فالضمير الإيجابي هو أحد مظاهر النضوج البارزة.. والناضج مدفوع دائمًا للإنجاز والتغيير، والإضافة والإبداع، وهو واقعية ذاتية ترتكز إلى الخبرة والعلم، إذًا النضوج الوجداني يمكن حصره في خمس نقاط: وعي وجداني ذاتي دقيق وموضوعي، وضبط النفس، وضمير إيجابي، وبصيرة صائبة، وواقعية ذاتية للإنجاز.
ويشير إلى أن الوصول إلى عقول الناس-أي أذهانهم- أمر قد يبدو سهلًا إذا كانت لديك أفكار جديدة، أو أفكار تعود بالفائدة عليهم، ومواجهة الناس قد تبدو سهلة إذا كنت صاحب حق، ولديك منطق، أو لديك ما يثبت حقك.
والطريق إلى وجدان الناس سهل ومفروش بالورد إذا كنت تملك هذه الموهبة.. موهبة اقتحام القلوب، والوصول منها إلى الأذهان.. موهبة النقر الرقيق على الأبواب، فتنفتح أمامك على مصراعيها.. موهبة التعبير الودود على وجهك، والنبرات المطمئنة في صوتك، فتنكشف لك النفس وما فيها، وإنها موهبة أو عطية من الله، وأيضًا هي تدريب ومهارة مكتسبة واعية؛ لتحقيق النجاح في التواصل الوجداني مع الناس؛ الذي هو أصل كل نجاح في أي عمل من خلال الناس، ولا نجاح مع الناس إلا من خلال التواصل الوجداني معهم.. وهذا الاتصال والتواصل الوجداني يقوم على أربعة محاور:
تفهم لوجدان الغير وتقدير لرؤيتهم، والتفاعل في الإنصات، وتعاطف ومشاركة وجدانية، وكياسة في الاستجابات للغير.
وفيما يتعلق بـ «التأثير الوجداني» نجد الدكتور صادق يبين في صفحات كتابه ماهية هذه المعادلة:
«إن الإنسان في رحلة تواصله مع الآخرين يؤثر ويتأثر، ذلك هو التواصل الديناميكي بين البشر، والتواجد الحقيقي للإنسان الذي يمتلك مداخل قوية لإحداث تأثير في قناعات الغير، هو الذي يحرك المياه الراكدة، وهو يقف في وجه التيارات الخاطئة، ليبعث روحًا جديدة، من خلال فكر جديد متقدم، مزلزلا الأفكار القديمة البالية؛ التي لا تتلاءم مع روح العصر، ودرجة تقدمه.
وهو لا يستطيع أن يكون له التأثير الإيجابي إلا إذا كانت لديه مهارات عالية في كسب الآخرين لصفه، ولن تستطيع أن تكسب الآخرين لصفك إلا إذا نجحت في بناء قاعدة من الثقة المتبادلة، وأن تتصف بالإخلاص والحيادية والموضوعية والمهارة المهنية، وأن تكون قادرًا على النفاذ إلى القلوب بمودتك وإنسانيتك؛ إذًا لا بد من هذا الرصيد لكي تكسب الآخرين، حتى دون أن تطلب منهم أن يؤيدوك، ستجدهم تلقائيًا يلتفون حولك، ويدعمون وجهة نظرك، ويلتزمون بخططك.