العودة   قبيلة العرماني > مجالس عرمان العامة > مجلس التاريخ والتراث
 

مجلس التاريخ والتراث يهتم بالتراث وجميع الأحداث التاريخية المحلية والعالمية والشخصيات التي كان لها تأثير على البشرية والعالم ككل

« آخـــر الـــمــواضيـع »
         :: غليص ولد رماح (آخر رد :آبن درهوم)       :: نظام المزامنة من المنارة سوفت (آخر رد :الاء وليد)       :: جهاز كشف المعادن من المجموعة الاوروبية (آخر رد :الاء وليد)       :: اكثر الصحابيات رواية للحديث (آخر رد :الاء وليد)       :: فضائل القيام في الشهر الكريم (آخر رد :الطاف)       :: من فنون الرد وسرعة البديهه (آخر رد :روضة حنان)       :: عمل يسير وأجر كبير (آخر رد :شروق مصطفى)       :: حقائق غريبة (آخر رد :روضة حنان)       :: إترك بصمتك وتأكد أنها لن تغيب حتى وإن غاب صاحبها (آخر رد :نورحمدي نور)       :: فوائد الفشار للتخسيس (آخر رد :بدور احمد)      

 
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-27-2012, 08:58 PM   #1 (permalink)
المقحم
عضو ذهبي


الصورة الرمزية المقحم
المقحم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 214
 تاريخ التسجيل :  Dec 2010
 أخر زيارة : 07-14-2020 (10:17 PM)
 المشاركات : 7,787 [ + ]
 التقييم :  1059
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية ~ من أعظم الخطب القديمة



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أما بعد

معشر الإخـــوة الكرام ننقل لكم شيئ من تراثنا اللغوي الجاهلي وشيئ من حياة العرب في الجاهلية ومواقفهم مما وُجِدَ في عهدهم لذا نبرس لنا قس بن ساعدة الإيادي هذه الخطبة العظيمة وقد حضرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسب ماورد في التاريخ والسيرة وهو محدد في الفقرة الآخيرة وقد قيل أنه من نصارى العرب أتباع رسول الله عيسى عليه الصلاة والسلام وقيل من الحنفية وهم من العرب وهم على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل غير ذلك والله أعلم وهذا ماتابعته جذرياً فمع نبراس الهدف وغاية المحتوى مع المادة أدناه



يا وقد وردت بدون ياء النداء والمصدر يحدد ذلك أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات
وكل ما هو آت آت مطر ونبات وأرزاق و أقوات
وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات
وأرض ذات رتاج ,وبحار ذات أمواج
ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون
أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا
أقسم قس قسماً لا حانث فيه ولا آثماً
إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه
ونبياً قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى
لمن آمن به فهداه , وويل
لمن خالفه وعصاه

ثم قال:

تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية

يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين ثمود وعاد

وأين الفراعنة الشداد أين من بنى وشيد وزخرف ونجد وغره المال والولد

أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال أنا ربكم الأعلى

ألم يكونوا أكثر منكم أموالاً وأطول منكم آجالاً وأبعد منكم آمالاً

طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خاوية

عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس والد ولا مولود

ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر





وهنا لمحة لغوية على هذه الخطبة وعلى قائلها

لنصوص النثرية

من خطب قس بن ساعدة

نبذة عن الكاتب :

قس بن ساعدة الإيادي ينتمي إلى قبيلة إياد بنجران , خطيب العرب و حكيمهم , وضرب به المثل في البلاغة والموعظة الحسنة يقال : ( أبلغ من قس ) و كان يؤمن بالتوحيد , فكانت له نظرات صائبة في الكون , استدل بها على وجود الله , وكان يدعو العرب إلى ذلك.

وهو أول من قال في خطبته أما بعد , وأول من اتكأ على السيف وهو يخطب في سوق عكاظ , وقد سمعه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يخطب في سوق عكاظ فأثنى عليه و قد عاش عمراً طويلاً وتوفي عام 600 م قبل البعثة .

مناسبة الخطبة:

كان العرب يجتمعون في سوق عكاظ , وهي سوق أدبية ينشدون فيها الأشعار, ويلقون الخطب ثم يتناولون ما قيل بالتعقيب والنقد , وتفخر كل قبيلة بشاعرها أو خطيبها متى أجاد ومن الخطب التي قالها قس بن ساعدة هذه الخطبة . . . وهو هنا يخطب في قومه محاولا نقل حكمته إليهم مذكراً إياهم بضرورة التأمل في الكون واستنتاج أن الموت مصير كل حي , و أن هناك خالقا لهذا الكون يجب الالتفات إلى قدرته .

عاطفة الخطيب : الإيمان بخالق السماوات والأرض والإيمان بحقيقة الكون .
{النـــــــــــــــــص}



الفكرة الأولى : مصير كل حي

" أيها الناس, اسمعوا وعوا, إنه من عاش مات, ومن مات فات, وكل ما هو آتٍ آتٍ"

المفردات:

الخطبة : هي كلام يلقى ارتجالا أمام جماعة من الناس يقصد الإفهام و الإقناع والإمتاع

اسمعوا × صموا / عوا : افهموا جيدا حتى تدركوا الحقيقة , هو فعل معتل الأول والآخر ماضيه وعى , ومضارعه يعي , والأمر عِ : على وزن عِ , بحذف فاء ولام الكلمة مات × عاش / فات : مضى, ومر × باق , خالد / آت : قادم × راحل .

الشرح :

الخطابة : هي فن مخاطبة الجماهير واستمالتها والتأثير في عواطفها

الخطيب ينبه الناس جميعا في خطبه ويحثهم على الإنصات لقوله وسماعه وفهمه فهما جيدا.أيها الناس اسمعوا وعوا : كل حي مصيره الموت , وحكمة الحياة مقترنة بكلمة الموت وكل من مات مضى وانتهى وأن الموت قادم لا محالة و لا راد له ومن لم يمت اليوم فسيموت غداً.

التذوق البلاغي: " أيها الناس, اسمعوا وعوا, إنه من عاش مات, ومن مات فات, وكل ما هو آتٍ آتٍ"

أساليب :

أيها الناس:إنشائي- نداء غرضه التنبيه حذفت الأداة( يا) دلالة على قربهم منه

اسمعوا وعوا : إنشائي - أمر غرضه الحث والنصح .

إنه من عاش مات : أسلوب خبري مؤكد بأن غرضه التقرير, يؤكد أن الموت مصير كل حي . ومن مات فات , وكل ما هو آت آت : حكمة بليغة صادقة .

اسمعوا وعوا : عطف الثاني على الأول لأنه مرتب عليه فالإنسان يسمع ثم يفهم ولا قيمة للسمع بدون فهم .

المحسنات البديعية :

عاش مات : طباق , مات فات : جناس تام مات , فات , آت : سجع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

الفكرة الثانية : مظاهر الكون .

ليل داج , ونهار ساج , وسماء ذات أبراج , ونجوم تزهر , وبحار تزخر .

المفردات:

داج : مظلم .اسم فاعل من دجا × مضيء ومنير / نهار : ج أنهر , نهر × ليل

ساج : يذهب ويجيء , دائم . اسم فاعل من سجا / ذات : صاحبة ج ذوات

أبراج : حزام دائري توهم القدماء في السماء وقسموه اثنا عشر برجا ( الثور , الأسد , السرطان ,الجوزاء ,العذراء ,الحمل ,العقرب ,القوس ,الميزان ,الحوت ,الدلو ,الجدي)

تزهر : تتلألأ وتشرق × تظلم / تزخر : تمتلئ وتفيض × تجف , تفرغ

ملحوظة: آت , داج , ساج : حذف أواخرها لأنها منونة وذلك منعاً لالتقاء الساكنين وتعود الياء إذا لم ينون الآتي , الداجي , الساجي

الشرح :

فيتأمل مظاهر الكون والحياة ...فياله من ليل مظلم يتعاقب مع النهار لا يستقر على حال , فهو في ذهاب وإياب , وفوقكم السماء وما بها من أبراج متعددة , ونجوم تتلألأ , وبحار مسخرة فاضت مياهها ! فمن أبدع ذلك ؟ !

التذوق البلاغي: ليل داج , ونهار ساج , وسماء ذات أبراج , ونجوم تزهر , وبحار تزخر .

المحسنات البديعية:

ليل داج , ونهار ساج : ازدواج , ليل – نهار : طباق , داج – ساج :جناس ناقص .

وسماء ذات أبراج : داج , ساج , أبراج : سجع .

نجوم تزهر , وبحار تزخر : ازدواج وسجع / تزهر , تزخر : جناس ناقص .



الفكرة الثالثة : عبرة لمن يعتبر

"إن في السماء لخبر , وإن في الأرض لعبرا .ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ؟! أم تركوا هناك فناموا ؟! يا معشر إياد :أين الأباء والأجداد؟

وأين الفراعنة الشداد ؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالا , وأطوال آجالا...؟ طحنهم الدهر بكلكله , ومزقهم بتطاوله . "

المفردات:

عبرا : مواعظ م عبرة ,العبرة بفتح العين معناها الدمعة ج عبرات , بال : حال وشأن

يذهبون : المراد يموتون ويرحلون / المقام : الإقامة × الرحيل ومعناها المكان الذي أقاموا فيه/ رضوا × رفضوا ,تمردوا /الفراعنة : حكام وملوك مصر القدماء م فرعون

معشر : جماعة أو قبيلة ج معاشر إياد : هي قبيلة قس بن ساعدة / الشداد: الأقوياء م شديد × الضعاف / آجالا : أعمار م أجل / طحنهم : أهلكهم وأماتهم وحطمهم وقضى عليهم / الدهر : الزمن ج أدهر , دهور كلكله : صدره ج كلا كل .

تطاوله : طوله × قصره / مزقهم : فرقهم

الشرح :

إن علو السماء وكل ما حوته من أبراج لدليل قاطع على قدرة الخالق وعظمته , وأن الأرض وما على سطحها من ظواهر لأية وعبرة تمجيد من بسطها وأجرى أنهار وملأ بحارها .إن الذين يرحلون عن الدنيا لا يعودون إليها مرة أخرى !! فهل أعجبتهم الحياة والإقامة ففضلوا البقاء هناك أم إنهم تركوا وأصبحوا في طي النسيان فظلوا نائمين ؟! فبالله عليكم ... ما مصير من سبقونا من آباء وأجداد ومن فراعنة شداد ؟ لقد كانوا أكثر منكم قوة ومالا وأطول أعمارا ..لقد أهلكهم الدهر ومزقت شملهم الأيام وحطمهم الزمن بشدة طوله وقوته .

التذوق البلاغي:

أساليب :إن في السماء لخبر , وإن في الأرض لعبرا: أساليب خبرية مؤكدة بإن و اللام

ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون ؟: إنشائي استفهام غرضه التعجب

أرضوا بالمقام فأقاموا ؟! أم تركوا هناك فناموا ؟! : أساليب إنشائية استفهامية غرضها الحيرة والقلق / يا معشر إياد : إنشائي نداء غرضه التنبيه والإثارة أين الأباء والأجداد؟ وأين الفراعنة الشداد ؟ : أساليب إنشائية استفهامية غرضها : التنبيه والتشويق لمعرفة الإجابة والتقرير

ألم يكونوا أكثر منكم مالا , وأطوال آجالا: إنشائي استفهام غرضه التقرير

ألم يكونوا أكثر منكم مالا : أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور ( منكم ) للتخصيص

المحسنات البديعية:

خبرا , عبرا : جناس ناقص , وسجع / السماء والأرض : طباق

فأقاموا- فناموا : سجع تركوا مبني للمجهول يفيد القهر وفقد الإرادة

إياد , الأجداد , الشداد : سجع / الفراعنة الشداد: تدل على شهرة الفراعنة وذيوع صيتهم واتساع ثقافة قس بن ساعدة / الأجداد , الشداد : جناس ناقص

مالا , آجالا : سجع / طحنهم الدهر بكلكله , ومزقهم بتطاوله: سجع



اللون البياني :

طحنهم الدهر بكلكله: استعارة مكنية شبه الدهر في طوله وقوته بـ جمل ضخم له كلكل يطحن , وشبه الناس بـ الحبوب التى تطحن . سر الجمال تجسيم وتوضيح

ومزقهم بتطاوله: امتداد للصورة السابقة .استعارة مكنية .شبه الدهر بـ وحش أو جمل شتت الجماعات جيلا بعد جيل وشبه الناس بـ ثياب ممزقة .سر الجمال التوضيح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التعليق العام :

الفن الأدبي : الخطبة القصيرة

الغرض : العظة والنصح

الخطبة تتكون من : المقدمة : هي أيها الناس اسمعوا وعوا

الموضوع : إنه من عاش ........... فناموا الخاتمة : يا معشر إياد

من حيث الألفاظ والأسلوب والتصوير والموسيقى:

الأسلوب : بين الخبر والإنشاء لتقرير الحقائق وتأكيدها وجذبا لانتباه السامعين وتتميز الخطبة بقصر العبارات و التأثير العاطفي .

الألفاظ : سهلة واضحة لا غموض فيها .

المحسنات : جاءت طبيعية غير متكلفة لتوضيح المعنى وتقويته .

الصور : جاءت قليلة ؛ لاعتاد الخطيب على إقناع مستمعيه بذكر الحقائق والأدلة ومخاطبة العقل .

الموسيقى : ظاهرة في السجع والجناس والطباق ولها أثر موسيقي ممتع ومقنع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسلوب الخطيب يعتمد على :

1- استمالة المستمعين : بإثارة عواطفهم وجذب انتباههم وذلك بتنوع الأسلوب وجودة الإلقاء ولطف الإشارة .

2- إقناع المستمعين : بمخاطبة عقولهم , بتقديم الأدلة والبراهين والأمثلة واختيار الجمل القصيرة والمعاني القريبة والألفاظ المألوفة .

شخصية الخطيب :

· إنه من الخطباء المشهود لهم برجاحة العقل وسداد الرأي , وضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة فصاحة اللسان وقوةالبيان .

· كان مطلعا على الأديان السماوية من يهودية و نصرانية .

· اهتدى بفطرته الثاقبة وعقله الذكي إلى وجود الله ووحدانيته , وعظيم قدرته .

· حكيم متأمل في الوجود محب لقومه , ناصح أمين لهم .

ملامح البيئة :

· إقامة الأسواق الأدبية حيث يعرض الأدباء أحن ما لديهم من إنتاج .

· معرفتهم بعلم الفلك والأبراج السماوية .

· بعضهم كان يؤمن بالله وبوحدانيته وعظيم قدرته .

· كان بعضهم على علم بفراعنة مصر.

ملاحظة عن التعاليق السابقة وهو وجود حرف ج ومعناه جمع للتنويه حفظكم الله ورعاكم



وهذا ماتتحدث عنه السنة النبوية الشريفة في كتاب البداية والنهاية....


[ ص: 299 ] ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْقَنْطَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَشْرِقِيُّ عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْوَرَّاقِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا مَعْشَرَ وَفْدِ إِيَادٍ مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ ؟ قَالُوا : هَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : لَقَدْ شَهِدْتُهُ يَوْمًا بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ ، يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُعْجِبٍ مُونِقٍ لَا أَجِدُنِي أَحْفَظُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَقَاصِي الْقَوْمِ فَقَالَ : أَنَا أَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَسُّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ : فَكَانَ بِسُوقِ عُكَاظٍ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ النَّاسِ اجْتَمِعُوا فَكُلُّ مَنْ فَاتَ فَاتَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ آتٍ آتٍ ، لَيْلٌ دَاجٍ وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَبَحْرٌ عَجَّاجٌ ، نُجُومٌ تَزْهَرُ ، وَجِبَالٌ مَرْسِيَّةٌ ، وَأَنْهَارٌ مَجْرِيَّةٌ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا ، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا . مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا ؟ أَقْسَمَ قُسٌّ بِاللَّهِ قَسَمًا لَا رَيْبَ فِيهِ ، إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى مِنْ دِينِكُمْ هَذَا ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ :

[ ص: 300 ]
فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ
لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا
يَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ لَا مَنْ مَضَى يَأْتِي إِلَيْكَ
وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ
حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ " : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ مِهْرَانَ بْنِ النَّاقِدِ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ السَّمْتِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَعْرِفُ الْقُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ ؟ قَالُوا : كُلُّنَا يَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : هَلَكَ . قَالَ : فَمَا أَنْسَاهُ بِعُكَاظٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اجْتَمِعُوا وَاسْتَمِعُوا وَعُوا ، مَنْ عَاشَ مَاتَ ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا ، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا ، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ ، وَنُجُومٌ تَمُورُ ، وَبِحَارٌ لَا تَغُورُ ، وَأَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا حَقًّا لَئِنْ كَانَ فِي الْأَمْرِ [ ص: 301 ] رِضًى لَيَكُونَنَّ بَعْدَهُ سُخْطٌ ، إِنَّ لِلَّهِ لَدِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا ، أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا ؟ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَيَكِمُ مَنْ يَرْوِي شِعْرَهُ فَأَنْشَدَهُ بَعْضُهُمْ


فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِي نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
الَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا يَسْعَى الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ
لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ السَّمْتِيِّ بِهِ ، وَهَكَذَا رَوَيْنَاهُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ فِي أَخْبَارِ قُسٍّ; قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الدَّيْرُعَاقُولِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيِّ نَزِيلِ بَغْدَادَ ، وَيُعْرَفُ بِصَاحِبِ الْهَرِيسَةِ بِهِ وَقَدْ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ ، وَاتَّهَمَهُ [ ص: 302 ] غَيْرُ وَاحِدٍ ، مِنْهُمُ ابْنُ عَدِيٍّ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ هَذَا ، وَرَوَاهُ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَمْثَلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَفِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَ الْقِصَّةَ بِكَمَالِهَا نَظْمَهَا ، وَنَثْرَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحَطَمِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ ، وَفْدُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ : مَا فَعَلَ حَلِيفٌ لَكُمْ يُقَالَ لَهُ : قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْأَيَادِيُّ ؟ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً .

وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارُ إِجَازَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا ، قَالَ : أَجَازَ لَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السِّلَفِيُّ سَمَاعًا ، وَقَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالُ سَمَاعًا ، قَالَ : أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ سَمَاعًا قَالَ : أَنَا السِّلَفِيُّ سَمَاعًا ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ أَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [ ص: 303 ] عِيسَى السَّعْدِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ السَّعْدِيُّ - قَاضِي فَارِسَ - حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دِرْهَمٍ الطَّائِيُّ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو سَعِيدُ بْنُ بَزِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ حَنَشِ بْنِ مُعَلَّى الْعَبْدِيُّ نَصْرَانِيًّا حَسَنَ الْمَعْرِفَةِ بِتَفْسِيرِ الْكُتُبِ وَتَأْوِيلِهَا ، عَالِمًا بِسِيَرِ الْفُرْسِ وَأَقَاوِيلِهَا ، بَصِيرًا بِالْفَلْسَفَةِ وَالطِّبِّ ، ظَاهِرَ الدَّهَاءِ وَالْأَدَبِ كَامِلَ الْجَمَالِ ذَا ثَرْوَةٍ وَمَالٍ ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَافِدًا فِي رِجَالٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ذَوِي آرَاءٍ وَأَسْنَانٍ وَفَصَاحَةٍ وَبَيَانٍ وَحُجَجٍ وَبُرْهَانٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ :


يَا نَبِيَّ الْهُدَى أَتَتْكَ رِجَالٌ قَطَعَتْ فَدْفَدًا وَآلًا فَآلَا
وَطَوَتْ نَحْوَكَ الصَّحَاصِحَ تَهْوِي لَا تَعُدُّ الْكَلَالَ فِيكَ كَلَالَا
كلُّ بَهْمَاءَ قَصَّرَ الطَّرْفُ عَنْهَا أَرْقَلَتْهَا قِلَاصُنَا إِرْقَالَا
وَطَوَتْهَا الْعِتَاقُ تَجْمَحُ فِيهَا بِكُمَاةٍ كَأَنْجُمٍ تَتَلَالَا
تَبْتَغِي دَفْعَ بَأْسِ يَوْمٍ عَظِيمٍ هَائِلٍ أَوْجَعَ الْقُلُوبَ وَهَالَا
وَمَزَادًا لِمَحْشَرِ الْخَلْقِ طُرًّا وَفِرَاقًا لِمَنْ تَمَادَى ضَلَالَا
[ ص: 304 ] نَحْوَ نُورٍ مِنَ الْإِلَهِ وَبُرْهَا نٍ وَبِرٍّ وَنِعْمَةٍ أَنْ تَنَالَا
خَصَّكَ اللَّهُ يَا ابْنَ آمِنَةَ الْخَيْ رِ بِهَا إِذْ أَتَتْ سِجَالًا سِجَالَا
فَاجْعَلِ الْحَظَّ مِنْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ جَزِيلًا لَا حَظَّ خُلْفٍ أَحَالَا
قَالَ : فَأَدْنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ ، وَقَالَ لَهُ : يَا جَارُودُ لَقَدْ تَأَخَّرَ الْمَوْعُودُ بِكَ وَبِقَوْمِكَ . فَقَالَ الْجَارُودُ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَمَّا مَنْ تَأَخَّرَ عَنْكَ فَقَدْ فَاتَهُ حَظُّهُ ، وَتِلْكَ أَعْظَمُ حُوبَةٍ وَأَغْلَظُ عُقُوبَةٍ وَمَا كُنْتَ فِيمَنْ رَآكَ أَوْ سَمِعَ بِكَ فَعَدَاكَ وَاتَّبَعَ سِوَاكَ ، وَإِنِّي الْآنَ عَلَى دِينٍ قَدْ عَلِمْتُ بِهِ قَدْ جِئْتُكَ ، وَهَا أَنَا تَارِكُهُ لِدِينِكَ ، أَفَذَلِكَ مِمَّا يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَالْمَآثِمَ وَالْحُوبَ ؟ وَيُرْضِي الرَّبَّ عَنِ الْمَرْبُوبِ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَا ضَامِنٌ لَكَ ذَلِكَ ، وَأَخْلِصِ الْآنَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَدَعْ عَنْكَ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ . فَقَالَ الْجَارُودُ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مُدَّ يَدَكَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ : فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِهِمْ ، وَأَظْهَرَ مِنْ إِكْرَامِهِمْ مَا سُرُّوا بِهِ وَابْتَهَجُوا بِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَفَيَكِمْ مَنْ يَعْرِفُ قُسَّ بْنَ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيَّ ؟ فَقَالَ الْجَارُودُ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي كُلُّنَا نَعْرِفُهُ ، وَإِنِّي مِنْ بَيْنِهِمْ لَعَالِمٌ بِخَبَرِهِ وَاقِفٌ عَلَى أَمْرِهِ ، كَانَ قَسٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ سِبْطًا مِنْ أَسْبَاطِ الْعَرَبِ ، عُمِّرَ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ تَقَفَّرَ مِنْهَا خَمْسَةَ أَعْمَارٍ فِي الْبَرَارِيِّ وَالْقِفَارِ يَضِجُّ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى مِثَالِ الْمَسِيحِ لَا يُقِرُّهُ قَرَارٌ وَلَا تَكُنُّهُ دَارٌ وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ جَارٌ كَانَ يَلْبَسُ الْأَمْسَاحَ ، وَيَفُوقُ [ ص: 305 ] السُّيَّاحَ وَلَا يَفْتُرُ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ يَتَحَسَّى فِي سِيَاحَتِهِ بَيْضَ النَّعَامِ ، وَيَأْنَسُ بِالْهَوَامِّ ، وَيَسْتَمْتِعُ بِالظَّلَامِ يُبْصِرُ فَيَعْتَبِرُ وَيُفَكِّرُ فَيَزْدَجِرُ فَصَارَ لِذَلِكَ وَاحِدًا تُضْرَبُ بِحِكْمَتِهِ الْأَمْثَالُ ، وَتُكْشَفُ بِهِ الْأَهْوَالُ ، أَدْرَكَ رَأْسَ الْحَوَارِيِّينَ سَمْعَانَ وَهُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ تَأَلَّهَ مِنَ الَعَرَبِ وَوَحَّدَ وَأَقَرَّ وَتَعَبَّدَ ، وَأَيْقَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ ، وَحَذِرَ سُوءَ الْمَآبِ ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْفَوْتِ ، وَوَعَظَ بِالْمَوْتِ ، وَسَلَّمَ بالْقَضَا عَلَى السُّخْطِ وَالرِّضَا ، وَزَارَ الْقُبُورَ وَذَكَرَ النُّشُورَ ، وَنَدَبَ بِالْأَشْعَارِ وَفَكَّرَ فِي الْأَقْدَارِ ، وَأَنْبَأَ عَنِ السَّمَاءِ وَالنَّمَاءِ وَذَكَرَ النُّجُومَ وَكَشَفَ الْمَاءَ وَوَصَفَ الْبِحَارَ وَعَرَفَ الْآثَارَ ، وَخَطَبَ رَاكِبًا وَوَعَظَ دَائِبًا ، وَحَذَّرَ مِنَ الَكَرْبِ وَمِنْ شَدَّةِ الْغَضَبِ ، وَرَسَّلَ الرَّسَائِلَ ، وَذَكَرَ كُلَّ هَائِلٍ ، وَأَرْغَمَ فِي خُطَبِهِ وَبَيَّنَ فِي كُتُبِهِ ، وَخَوَّفَ الدَّهْرَ ، وَحَذَّرَ الْأَزْرَ ، وَعَظَّمَ الْأَمْرَ ، وَجَنَّبَ الْكُفْرَ ، وَشَوَّقَ إِلَى الْحَنِيفِيَّةِ ، وَدَعَا إِلَى اللَّاهُوتِيَّةِ وَهُوَ الْقَائِلُ فِي يَوْمِ عُكَاظٍ : شَرْقٌ وَغَرْبٌ ، وَيُتْمٌ وَحِزْبٌ ، وَسِلْمٌ وَحَرْبٌ ، وَيَابِسٌ وَرَطْبٌ ، وَأُجَاجٌ وَعَذْبٌ ، وَشُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ وَرِيَاحٌ وَأَمْطَارٌ ، وَلَيْلٌ وَنَهَارٌ ، وَإِنَاثٌ وَذُكُورٌ وَأَبْرَارٌ وَفُجُورٌ ، وَحَبٌّ وَنَبَاتٌ وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ وَجَمْعٌ وَأَشْتَاتٌ ، وَآيَاتٌ فِي إِثْرِهَا آيَاتٌ ، وَنُورٌ وَظَلَامٌ ، وَيُسْرٌ وَإِعْدَامٌ ، وَرَبٌّ وَأَصْنَامٌ ، لَقَدْ ضَلَّ الْأَنَامُ ، نُشُوءُ [ ص: 306 ] مَوْلُودٍ وَوَأْدُ مَفْقُودٍ وَتَرْبِيَةُ مَحْصُودٍ ، وَفَقِيرٌ وَغَنِيٌّ وَمُحْسِنٌ وَمُسِيءٌ ، تَبًّا لِأَرْبَابِ الْغَفْلَةِ لَيُصْلِحَنَّ الْعَامِلُ عَمَلَهُ وَلَيَفْقِدَنَّ الْآمِلُ أَمَلَهُ ، كَلَّا بَلْ هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا وَالِدٍ ، أَعَادَ وَأَبْدَى وَأَمَاتَ وَأَحْيَا وَخَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، رَبُّ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ، أَمَّا بَعْدُ فَيَا مَعْشَرَ إِيَادٍ أَيْنَ ثَمُودُ وَعَادٌ ؟ وَأَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ ؟ وَأَيْنَ الْعَلِيلُ وَالْعُوَّادُ ؟ كُلٌّ لَهُ مُعَادٌ يُقْسِمُ قُسٌّ بِرَبِّ الْعِبَادِ وَسَاطِحِ الْمِهَادِ ، لَتُحْشَرُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ فِي يَوْمِ التَّنَادِ ، إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ وَنُقِرَ فِي النَّاقُورِ ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ ، وَوَعَظَ الْوَاعِظُ فَانْتَبَذَ الْقَانِطُ وَأَبْصَرَ اللَّاحِظُ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ صَدَفَ عَنِ الْحَقِّ الْأَشْهَرِ وَالنُّورِ الْأَزْهَرِ وَالْعَرْضِ الْأَكْبَرِ فِي يَوْمِ الْفَصْلِ ، وَمِيزَانِ الْعَدْلِ إِذَا حَكَمَ الْقَدِيرُ وَشَهِدَ النَّذِيرُ وَبَعُدَ النَّصِيرُ وَظَهَرَ التَّقْصِيرُ فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ

وَهُوَ الْقَائِلُ
ذَكَّرَ الْقَلْبَ مِنْ جَوَاهُ ادِّكَارُ وَلَيَالٍ خَلَا لَهُنَّ نَهَارُ
وَسِجَالٌ هَوَاطِلٌ مِنْ غَمَامٍ ثُرْنَ مَاءً وَفِي جَوَاهُنَّ نَارُ
ضَوْءُهَا يَطْمِسُ الْعُيُونَ وَأَرْعَا دٌ شِدَادٌ فِي الْخَافِقَيْنَ تَطَارُ
وَقُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ حَوَتِ الْخَي رَ وَأُخْرَى خَلَتْ بِهِنَّ قِفَارُ
وَجِبَالٌ شَوَامِخُ رَاسِيَاتٌ وَبِحَارٌ مِيَاهُهُنَّ غِزِارُ
وَنُجُومٌ تُلُوحُ فِي ظُلَمِ اللَّيْ لِ نَرَاهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ تُدَارُ
ثُمَّ شَمْسٌ يَحُثُّهَا قَمَرُ اللَّيْ لِ وَكُلٌّ مُتَابِعٌ مَوَّارُ
[ ص: 307 ] وَصَغِيرٌ وَأَشْمَطٌ وَكَبِيرٌ كُلُّهُمْ فِي الصَّعِيدِ يَوْمًا مُزَارُ
كَثِيرٌ مِمَّا يُقَصِّرُ عَنْهُ حَدْسُهُ الْخَاطِرُ الَّذِي لَا يَحَارُ
فَالَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ دَلَّ عَلَى اللَّ هِ نُفُوسًا لَهَا هُدًى وَاعْتِبَارُ
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْمَا نَسِيتُ فَلَسْتُ أَنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظٍ ، وَاقِفًا عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ يَخْطُبُ النَّاسَ : اجْتَمِعُوا فَاسْمَعُوا وَإِذَا سَمِعْتُمْ فَعُوا وَإِذَا وَعَيْتُمْ فَانْتَفِعُوا وَقُولُوا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاصْدُقُوا . مَنْ عَاشَ مَاتَ وَمَنْ مَاتَ فَاتَ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ ، مَطَرٌ وَنَبَاتٌ وَأَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتٌ ، لَيْلٌ دَاجٍ وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَنُجُومٌ تَزْهَرُ ، وَبِحَارُ تَزْخَرُ وَضَوْءٌ وَظَلَامٌ ، وَلَيْلٌ وَأَيَّامٌ وَبِرٌّ وَآثَامٌ ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ خَبَرًا ، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ عِبَرًا ، يَحَارُ فِيهِنَّ الْبُصَرَا ، مِهَادٌ مَوْضُوعٌ ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعٌ ، وَنُجُومٌ تَغُورُ ، وَبِحَارٌ لَا تَفُورُ ، وَمَنَايَا دَوَانٍ ، وَدَهْرٌ خَوَّانٌ كَحَدِّ النِّسْطَاسِ وَوَزْنِ الْقِسْطَاسِ ، أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا لَا كَاذِبًا فِيهِ وَلَا آثِمًا لَئِنْ كَانَ فِي هَذَا الْأَمْرِ رِضًى لَيَكُونَنَّ سَخَطٌ . ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمْ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ . وَهَذَا زَمَانُهُ وَأَوَانُهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ ، أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا ؟ وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَرْوِي شِعْرَهُ لَنَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَنَا شَاهِدٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَيْثُ يَقُولُ :


فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
[ ص: 308 ] لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا يَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ
لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
قَالَ : فَقَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، شَيْخٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَظِيمُ الْهَامَةِ طَوِيلُ الْقَامَةِ بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ فَقَالَ : فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، وَأَنَا رَأَيْتُ مِنْ قُسٍّ عَجَبًا . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الَّذِي رَأَيْتَ يَا أَخَا بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ ؟ فَقَالَ : خَرَجْتُ فِي شَبِيبَتِي أَرْبَعُ بَعِيرًا لِي فَفَرَّ مِنِّي فَذَهَبْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ فِي تَنَائِفَ قَفَافٍ ذَاتِ ضَغَابِيسَ وَعَرَصَاتِ جَثْجَاثٍ ، بَيْنَ صُدُورِ جُذْعَانَ ، وَغَمِيرِ حَوْذَانٍ ، وَمَهَمَهٍ ظَلْمَانِ ، وَرَصِيعِ أَيْهُقَانِ فَبَيْنَا أَنَا فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ أَجُولُ بِسَبْسَبِهَا [ ص: 309 ] وَأَرْنُقُ فَدْفَدَهَا ، إِذَا أَنَا بِهَضَبَةٍ فِي نَشَزَاتِهَا أَرَاكٌ كَبَاثٌ مُخْضَوْضِلَةٌ ، وَأَغْصَانُهَا مُتَهَدِّلَةٌ كَأَنَّ بَرِيرَهَا حَبُّ الْفُلْفُلِ ، وَبَوَاسِقُ أُقْحُوَانٍ ، وَإِذَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ ، وَرَوْضَةٍ مُدْهَامَّةٍ ، وَشَجَرَةٍ عَارِمَةٍ ، وَإِذَا أَنَا بِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ فِي أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، وَقُلْتُ لَهُ : أَنْعِمْ صَبَاحًا فَقَالَ : وَأَنْتَ فَنَعِمَ صَبَاحُكَ ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْعَيْنَ سِبَاعٌ كَثِيرَةٌ فَكَانَ كُلَّمَا ذَهَبَ سَبْعٌ مِنْهَا يَشْرَبُ مِنَ الَعَيْنِ قَبْلَ صَاحِبِهِ ضَرَبَهُ قُسُّ بِالْقَضِيبِ الَّذِي بِيَدِهِ ، وَقَالَ : اصْبِرْ حَتَّى يَشْرَبَ الَّذِي قَبْلَكَ فَذُعِرْتُ مِنْ ذَلِكَ ذُعْرًا شَدِيدًا ، وَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ : لَا تَخَفْ ، وَإِذَا بِقَبْرَيْنِ بَيْنَهُمَا مَسْجِدٌ فَقُلْتُ : مَا هَذَانِ الْقَبْرَانِ ؟ قَالَ : قَبْرَا أَخَوَيْنِ كَانَا يَعْبُدَانِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ فَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ قَبْرَيْهِمَا أَعْبُدُ اللَّهَ حَتَّى أَلْحَقَ بِهِمَا فَقُلْتُ لَهُ : أَفَلَا تَلْحَقُ بِقَوْمِكَ فَتَكُونَ مَعَهُمْ فِي خَيْرِهِمْ ، وَتُبَايِنَهُمْ عَلَى شَرِّهِمْ فَقَالَ لِي : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ تَرَكُوا دِينَ أَبِيهِمْ ، وَاتَّبَعُوا الْأَضْدَادَ ، وَعَظَّمُوا الْأَنْدَادَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَبْرَيْنِ ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ


خَلِيلَيَّ هُبَّا طَالَمَا قَدْ رَقَدْتُمَا أَجِدَّكَمَا لَا تَقْضِيَانِ كَرَاكُمَا
[ ص: 310 ] أَرَى النَّوْمَ بَيْنَ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ مِنْكُمَا كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعُقَارَ سَقَاكُمَا
أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لَا تُجِيبَانِ دَاعِيًا كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعُقَارَ سَقَاكُمَا
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنِّي بِنَجْرَانَ مُفْرَدًا وَمَا لِيَ فِيهِ مِنْ حَبِيبٍ سِوَاكُمَا
مُقِيمٌ عَلَى قَبْرَيْكُمَا لَسْتُ بَارِحًا إِيَابَ اللَّيَالِي أَوْ يُجِيبَ صَدَاكُمَا
أَأَبْكِيكُمَا طُولَ الْحَيَاةِ وَمَا الَّذِي يَرُدُّ عَلَى ذِي لَوْعَةٍ أَنْ بَكَاكُمَا
فُلَوْ جُعِلَتْ نَفْسٌ لِنَفْسِ امْرِئٍ فِدًى لَجُدْتُ بِنَفْسِي أَنْ تَكُونَ فِدَاكُمَا
كَأَنَّكُمَا وَالْمَوْتُ أَقْرَبُ غَايَةٍ بِرُوحِيَ فِي قَبْرَيْكُمَا قَدْ أَتَاكُمَا
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَحِمَ اللَّهُ قُسًّا أَمَا إِنَّهُ سَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً . وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ سَمِعَهُ مِنَ الْجَارُودِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ الْأَخْبَارِيِّ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ الْجَارُودُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ [ ص: 311 ] أَوْ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ ، وَفِيهِ مَا ذَكَرَهُ عَنِ الَّذِي ضَلَّ بِعِيرُهُ فَذَهَبَ فِي طَلَبِهِ قَالَ : فَبِتُّ فِي وَادٍ لَا آمَنُ فِيهِ حَتْفِي وَلَا أَرْكَنُ إِلَى غَيْرِ سَيْفِي فَبِتُّ أَرْقُبُ الْكَوْكَبَ ، وَأَرْمُقُ الْغَيْهَبَ حَتَّى إِذَا اللَّيْلُ عَسْعَسَ ، وَكَادَ الصُّبْحُ أَنْ يَتَنَفَّسَ هَتَفَ بِيَ هَاتِفٌ يَقُولُ :


يَا أَيُّهَا الرَّاقِدُ فِي اللَّيْلِ الْأَجَمْ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا فِي الْحَرَمْ
مِنْ هَاشِمٍ أَهْلِ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمْ يَجْلُو دُجُنَّاتِ الدَّيَاجِي وَالْبُهَمْ
قَالَ : فَأَدَرْتُ طَرْفِي فَمَا رَأَيْتُ لَهُ شَخْصًا وَلَا سَمِعْتُ لَهُ فَحْصًا ، قَالَ : فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ :


يا أَيُّهَا الْهَاتِفُ فِي دَاجِي الظُّلَمْ أَهْلًا وَسَهْلًا بِكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمْ
بَيِّنْ هَدَاكَ اللَّهُ فِي لَحْنِ الْكَلِمْ مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يُغْتَنَمْ
قَالَ : فَإِذَا أَنَا بِنَحْنَحَةٍ ، وَقَائِلٍ يَقُولُ : ظَهَرَ النُّورُ وَبَطَلَ الزُّورُ ، وَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا بِالْحُبُورِ صَاحِبَ النَّجِيبِ الْأَحْمَرِ وَالتَّاجِ وَالْمِغْفَرِ وَالْوَجْهِ الْأَزْهَرِ وَالْحَاجِبِ الْأَقْمَرِ وَالطَّرْفِ الْأَحْوَرِ ، صَاحِبَ قَوْلِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، [ ص: 312 ] وَذَلِكَ مُحَمَّدٌ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ ، أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْوَبَرِ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ :


الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثْ
لَمْ يُخْلِنَا يَوْمًا سُدًى مِنْ بَعْدِ عِيسى وَاكْتَرَثْ
أَرْسَلَ فِينَا أَحْمَدًا خَيْرَ نَبِيٍّ قَدْ بُعِثْ
صَلَّى عَلَيهِ اللَّهُ مَا حَجَّ لَهُ رَكْبٌ ، وَحَثَّ
وَفِيهِ مِنْ إِنْشَاءِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ :


يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْمَلْحُودُ فِي جَدَثٍ عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا قَوْلِهِمْ خِرَقُ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ فَهُمْ إِذَا انْتَبَهُوا مِنْ نَوْمِهِمْ أَرِقُوا
حَتَّى يَعُودُوا بِحَالٍ غَيْرِ حَالِهِمُ خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا مِنْ قَبْلِهِ خُلِقُوا
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِمُ مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْمُنْهَجُ الْخَلَقُ
ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرْضَخٍ الْإِخْمِيمِيُّ بِمَكَّةَ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَهْدِيٍّ ثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [ ص: 313 ] الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ ، وَذَكَرَ الْإِنْشَادَ قَالَ : فَوَجَدُوا عِنْدَ رَأْسِهِ صَحِيفَةً فِيهَا


يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْأَمْوَاتُ فِي جَدَثٍ عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا نَوْمِهِمْ خِرَقُ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى فِي ثِيَابِهِمُ مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْأَزْرَقُ الْخَلَقُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، لَقَدْ آمَنَ قُسٌّ بِالْبَعْثِ وَأَصْلُهُ مَشْهُورٌ ، وَهَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى ضَعْفِهَا كَالْمُتَعَاضِدَةِ عَلَى إِثْبَاتِ أَصْلِ الْقِصَّةِ وَقَدْ تَكَلَّمَ أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ عَلَى غَرِيبِ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : أَنَا أَبُو سَعْدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشُّعَيْثِيُّ ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْمُحَمَّدُآبَاذِيُّ لَفْظًا ، ثَنَا أَبُو لُبَابَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْإَبْيَوَرْدِيُّ ثَنَا أَبِي ثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ [ ص: 314 ] أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ ؟ قَالُوا : هَلَكَ . قَالَ : أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا أَرَى أَنِّي أَحْفَظُهُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : نَحْنُ نَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : هَاتُوا فَقَالَ قَائِلُهُمْ : إِنِّي وَاقِفٌ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا ، كُلُّ مَنْ عَاشَ مَاتَ ، وَكُلُّ مَنْ مَاتَ فَاتَ ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ ، لَيْلٌ دَاجٍ ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَنُجُومٌ تَزْهَرُ ، وَبِحَارٌ تَزْخَرُ ، وَجِبَالٌ مَرْسِيَّةٌ ، وَأَنْهَارٌ مَجْرِيَّةٌ ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا ، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا أَرَى النَّاسَ يَمُوتُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا . أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللَّهِ لَا إِثْمَ فِيهِ إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ :


فِي الذَّاهِبِينَ الْأَوَّلِي نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا يَسْعَى الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
ثُمَّ سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ : وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةٍ ، وَنُقْصَانٍ . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُنْقَطِعًا ، وَرُوِيَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قُلْتُ : وَعُبَادَةَ [ ص: 315 ] بْنِ الصَّامِتِ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ طَرِيفِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَوْصِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمُتَقَدِّمَ ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَإِذَا رُوِىَ الْحَدِيثُ مَنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا ضَعِيفًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

منقول ومتابع لأهميته اللغوية مع إضافات وتنقيح من قبل كاتبه لهدفه للجميع وفق الله الجميع











 


رد مع اقتباس
 
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لأرباب, من, أعظم, والقرون, الأمم, الماضية, الخالية, الخطب, الغفلة, تباً


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماذا حصل خلال 100 سنة الماضية ؟ سيف العرمان المجلس الطبي والعلمي 3 07-07-2012 01:23 AM
أعقل الأمم العرماني الازدي المجلس العام 3 07-04-2012 10:03 PM
الغفلة عن شكر النعم المقحم المجلس الإسلامي 6 06-27-2012 12:00 AM
لقَطآت من عدسة الغفلة ! البرق المجلس الإسلامي 7 12-10-2011 10:43 PM
كيفية تزحزح قارة بنجايا خلال 200مليون سنة الماضية الجنــــرآل مجلس التاريخ والتراث 5 08-01-2011 04:19 PM


الساعة الآن 08:06 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لمنتدى قبيلة عرمان الرسمي 2020م
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
 
 
 

SEO by vBSEO 3.6.0