يوسف بن تاشفين يوسف بن تاشفين
في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، في أقصى بلاد المغرب العربي، التفت جماعة من الناس حول عالم فقيه يدعى (عبد الله بن ياسين) وكان هدفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
ونشر تعاليم الإسلام، أطلق عليهم الملثمون لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوارثونها جيلاً بعد جيل، وحين قتل عبد الله بن ياسين سنة 461هـ/1068م
في حرب جرت مع (برغواطة) قام مقامه أبو بكر بن عمر الذي عين ابن عمه يوسف بن تاشفين أميرًا على الملثمين، لإنشغاله بقتال عبدة الأصنام في جنوب المغرب، والقضاءعلى فتنتهم
وكان يوسف بن تاشفين يتمتع بصفات جعلته محبوبًا؛ فهو شهم، حازم، شجاع علاوة على قدرته على القيادة والزعامة، ومهابة الناس له، مما جعل الناس تلتف حوله، وتساعده في العمليات العسكرية،
ونشر تعاليم الإسلام في المغرب الأقصى، وبناء دولة المرابطين، ولما عاد أبو بكر بن عمر بعد قضائه على الفتنة وجد يوسف بن تاشفين يتمتع بمكانة عالية بين جنده ورعيته، فتنازل له رسميًّا عن السلطة
وخلع نفسه وأقام مكانه ابن عمه يوسف
هو أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن ابراهيم اللمتوني من قبيلة لمتونة البربرية المنتشرة في صحراء المغرب والمعروفه حاليا بموريتانيا . ولد في حدود 410هـ ونشأ في ظل حركة الاصلاح والجهاد
التي قام بها الشيخ المجاهد عبد الله بن ياسين الجزولي . وقد تولى إمارة الدولة المرابطية التي كانت في مرحلة التكوين في عام 463هـ فوطدها وقام بتنظيمها حتى بلغ بها إلى مرحلة النضج
واعتبر هو المؤسس الحقيقي لدولة المرابطين في المغرب والأندلس وقد أنقذ الوجود الإسلامي من الانهيار المحقق أمام النصارى وذلك بجهاده المشرف ضد الدول النصرانية في الشمال التي كادت أن
تبتلع الأندلس في عصر ملوك الطوائف وبذلك أطال عمّر الإسلام في الأندلس لمدة أربعة قرون أخرى وهو بطل معركة الزلاقة التي تعتبر من المعارك الفاصلة في الإسلام مثل معركة حطين وملاذكرد
ومن أهم إنجازاته السياسية توحيد الأندلس مع المغرب بعد القضاء على الإمارات البربرية في المغرب وملوك الطوائف في الأندلس أمام ملك قشتالة الفونسو
ومن إنجازاته الحضارية إنشاء مدينة مراكش عاصمة دولته وغدت هذه المدينة مركز للعلم والثقافة في المغرب في عهده وبعد عهده وكان لها أثر كبير
وملموس في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية في بلاد السودان الغربي السنغال ـ غانه ـ النيجر ـ
كان يوسف بن تاشفين مثلا لحاكم مسلم تقي ورع زاهد ابتعد عن المظاهر بعد أن أصبح صاحب أقوى دولة في المغرب و الأندلس ويؤكد مؤرخو ا حياته
أنه على الرغم مما أوتي من البسطة في الملك والنعم ظل آية في التقشف حيث أنه كان يرتدي الصوف طوال حياته ولا يأكل شيئا سوى خبز الشعيروالألبان كانت وفاته في عام 500 هـ عن عمر
يناهز مائة عام بعد حكم دام 37 عامأ ودفن في قصره في مراكش وتولى الحكم بعده ابنه علي بن يوسف
اتخذ ابن تاشفين مدينة (مراكش) التي أنشأها عاصمة لملكه سنة 465هـ لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته، وبناء
دولة قوية، كما أنشأ أسطولاً بحريًّا، ساعده على ضم المناطق المطلة على مضيق جبل طارق مما سهل ضم المغرب الأوسط، وأقام ابن تاشفين علاقات سياسية مع جيرانه من أمراء المغرب
والمشرق، كما أحاط نفسه بمجموعة من الأتباع ينظمون أمور الدولة، فأعطى دولته طابع الملك
وفي ذلك الوقت كانت الأندلس تعاني من التفكك تحت حكم ملوك الطوائف الذين كانوا يواجهون خطر غزوات المسيحيين، وسيطرة ملوكهم وتعسفهم في
مطالبة الولاة المسلمين بما لا طاقة لهم به، وكان يوسف يفكر في حال المسلمين في بلاد الأندلس وما يفعله النصارى بهم ويتجه إلى الله تعالى مستخيرًا إياه
يتلمس منه النصر، وكان إذا أجبر على الكلام قال : أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا واستنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لينقذهم من النصارى وكان على رأس من استنجد به
(المعتمد بن عباد) أمير إشبيلية، فأعد ابن تاشفين جيشه وقبل أن يعبر البحر نحو الأندلس بسط يديه بالدعاء نحو السماء قائلاً : اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا أي (اجتياز البحر) هذا خيرًا للمسلمين،
فسهل علينا جوازهذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه التقي بجيش النصارى بقيادة ألفونسو السادس في موقعة الزلاقة سنة 480هـ/1087م وانتصر جيش ابن تاشفين انتصارًا هائلاً،
وبعدها وحَّد المغرب والأندلس تحت قيادته الخاصة، ورأى شيوخ المرابطين ما يقوم به يوسف من أعمال عظيمة فاجتمعوا عليه وقالوا له : أنت خليفة الله في المغرب وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير،
بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم : حاشا لله أن أتسمى بهذا الإسم، إنما يتسمى به الخلفاء، وأنا رجل الخليفة العباسي، والقائم بدعوته في بلاد المغرب، فقالوا له : لابد من اسم تمتاز به ، فقال لهم : يكون أمير المسلمين
وبعد انتهاء موقعة الزلاقة بايعه من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها
أميرًا على المسلمين، وكانوا ثلاثة عشر ملكًا، واستطاع يوسف بن تاشفين أن
يوقف زحف جيوش النصارى، وأن يعيد ما استولوا عليه من الأندلس، وقد امتدت دولته فشملت الأندلس والمغرب الأقصى، وازدهرت البلاد في عصره
وضرب السكة (أي العملة) ونقش ديناره : لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك : أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وكتب في الدائرة : (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأميرعبد الله أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه
وكان ابن تاشفين كثيرَ العفو، مقربًا للعلماء، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة،
ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، ولما بلغ الإمام أبا حامد
الغزالي ما عليه ابن تاشفين من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، وعندما وصله خبر وفاة ابن تاشفين رجع عن ذلك العزم،
ففي سنة 498هـ أصيب يوسف بن تاشفين بمرض أدى إلى وفاته ودفن في مدينة مراكش وقال عنه المستشرق يوسف أشباخ :
(يوسف.. أحد أولئك الرجال الأفذاذ الذين يلوح أن القدر قد اصطفاهم لتغيير وجهة سير الحوادث في التاريخ، فقد بثَّ
بما استحدث من نظم وأساليب روحًا قوية في القبائل والشعوب التي يحكمها، وقد فاضت هذه الروح إلى تحقيق العجائب |