الشَّكُّ خِلافُ اليقين ، وهو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشَّاكِّ ، وأصله في اللغة من قولك : شكَكْتْ الشيءَ ، إذا جمعته بشيء تدخله فيه . والشَّكُّ هو اجتماع شيئين في الضمير ، لا يميل القلب إلى أحدهما . قال تعالى :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾(يونس: 94).أي : إذا كنت غير مستيقن ، فاسأل . أما الظن فهو الاعتقاد الراجح لحد الأمرين . ولما كان قبول الاعتقاد للقوة والضعف غير مضبوط ، فكذا مراتب الظَّنِّ غير مضبوطة ؛ فلهذا قيل : إنه عبارة عن ترجيح أحد طرفي المعتقد في القلب على الآخر ، مع تجويز الطرف الآخر . ثم إن الظَّنَّ المتناهي في القوة قد يطلَق عليه اسْمُ العلم ، فلا جرم قد يطلق أيضًا على العلم اسْمُ الظَّنِّ ؛ كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ ﴾(البقرة: 46) .قالوا : إنما أطلق لفظ الظن على العلم- ههنا- لوجهين : أحدهما: التنبيه على أن علم أكثر الناس في الدنيا بالإضافة إلى علمه في الآخرة كالظن في جنب العلم . والثاني : أن العلم الحقيقي في الدنيا لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين . ويحتمل أن يكون الظن في الآية السابقة على بابه ؛ لأن الظن لا يجيء أبدًا في موضع يقين تام ؛ بل أعظم درجاته أن يجيء في موضع علم متحقق ؛ لكنه لم يقع ذلك المظنون . ومن هنا قالوا :«ليس الخَبرُ كالمُعاينة، ولا الظنُّ كاليقين» . واعلم أن الظَّنَّ ، إن كان عن أَمَارة قوية قُبِلَ ومُدِحَ ، وعليه مدار أكثر أحوال هذا العلم . وإن كان عن أَمَارَةٍ ضعيفة ذُمَّ ؛ كقوله تعالى :﴿إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى عَنْ الحق شَيْئاً﴾(النجم: 28) ، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ﴾(الحجرات :12) . وفي الحديث :« إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» . وأما الرَّيْبُ فهو شَكٌّ مع تهمة ، ودلَّ عليه قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾(البقرة: 2) . وقوله تعالى :﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾(البقرة: 23) ؛ فإن المشركين مع شكهم في القرآن كانوا يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه هو الذي افتراه ! ويقرب من الرَّيْبِ : المُرْيَةُ . وقيل : هو بمعناه . وأما قوله تعالى :﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي ﴾(يونس: 104) فيمكن أن يكون الخطاب مع أهل الكتاب ، أو غيرهم ممن كان يعرف النبي صلى الله عليه وآله بالصدق والأمانة ، ولا ينسبه إلى الكذب والخيانة ؛ولهذا قال تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي﴾ ، ولم يقل : إن كنتم في رَيْبٍ . أو كنتم في ظَنٍّ .