العودة   قبيلة العرماني > مجالس عرمان العامة > مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص )
 

مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص ) كافة أنواع الشعر - الألغاز الشعرية - النثر - القصص

« آخـــر الـــمــواضيـع »
         :: غليص ولد رماح (آخر رد :آبن درهوم)       :: نظام المزامنة من المنارة سوفت (آخر رد :الاء وليد)       :: جهاز كشف المعادن من المجموعة الاوروبية (آخر رد :الاء وليد)       :: اكثر الصحابيات رواية للحديث (آخر رد :الاء وليد)       :: فضائل القيام في الشهر الكريم (آخر رد :الطاف)       :: من فنون الرد وسرعة البديهه (آخر رد :روضة حنان)       :: عمل يسير وأجر كبير (آخر رد :شروق مصطفى)       :: حقائق غريبة (آخر رد :روضة حنان)       :: إترك بصمتك وتأكد أنها لن تغيب حتى وإن غاب صاحبها (آخر رد :نورحمدي نور)       :: فوائد الفشار للتخسيس (آخر رد :بدور احمد)      

 
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-16-2011, 08:18 AM   #1 (permalink)
عزيز نفس
عضو ذهبي


الصورة الرمزية عزيز نفس
عزيز نفس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 134
 تاريخ التسجيل :  Dec 2010
 أخر زيارة : 07-29-2012 (11:16 PM)
 المشاركات : 2,113 [ + ]
 التقييم :  1745
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
افتراضي فن الكسره.........



الكسرة فن من الفنون الشعرية والغنائية الشعبية المعروفة في منطقة ما بين الحرمين الشريفين وما جاورها من المناطق المحاذية للبحر الأحمر من شاطئه الشرقي
، وقد تجاوزت اليوم هذا الموطن وانتشرت في كثير من أنحاء الجزيرة العربية بل وخارجها.
وهي فن شعري بما للشعر من تقنيات فنية ، وأساليب بلاغية ، ومحتوى يعبر عن رؤية إنسانية ، وهي فن غنائي له تموجات وتكسرات تتراوح بين المد والقصر ، والتفخيم واللين ، تكاد توهم المستمع بتعدد الألحان ، ولكنها ـ في الواقع ـ تنويع في الأداء للحن الواحد ،وتجسيد لمرونة لحن الكسرة ، ومؤشر إلى موطن الغناء ، وقد يكون في المنطقة الواحدة أصوات عديدة لغناء الكسرة يطلقون عليها ألحان . أما الكسرة فهي الروح التي تحاط بهذه الهالة من الإيقاع والغناء .
والكسرة تتكون من بيتين لا ثالث لهما ، ويتكون كل بيت من غصنين ، صدر وعجز ، بمعنى أن الكسرة تقوم على أربعة أغصان أي أركان ،وبمعنى أصح أعمدة ، ولابد أن تكون هذه الأعمدة متينة ومتناسقة من حيث التكوين قوة والتلوين إبداعاً ، لتقوى على حمل المعنى أو المضمون الذي تحتويه الكسرة ، وتعبر عن جمال البناء والتشكيل . وللكسرة قافيتان الأولى للصدر والأخرى للعجز وكل قافية منهما تختلف عن الأخرى لتشكيل الإيقاع ، وتتميز الكسرة بما تتميز به المثينيات (الدوبيت) ورباعيات البيتين (الخيام) من تكثيف وإيجاز وتركز على فكرة واحدة تقوم في صياغة مشوقة ومثيرة تجلوها النهاية في عجز البيت الثاني.
هكذا عرفت الكسرة ، وهكذا ينبغي أن تكون لتشكل لوناً شعرياً مستقلاً تتميز به بين ألوان الشعر الأخرى من حداء ومجرور ومجالسي ورد وغير ذلك ، وما أخطأ من قال :
عيا الأمل يكتمل في فن
ـ معناه موزون في سطرين ـ
مثل الذهب يارباة الفن
ـ وان زاد عنها تُحول العين ـ
ومن الكسرات المشكلة لهذا التكوين قول الشاعر :
الله أكبر لقيت الود
ـ قاعد على الدرب قوْماني
يستسْلب الروح مزح بجد
ـ ويردها للجهل ثاني ـ
وقول الشاعر :
ما احْسب سهوم الغرام تصيب
ـ من لا اعْترض في مراميها ـ
جروحها بالدوا ما تْطيب
ـ ومْعالج الطب يحييها ـ
وقول آخر :
قالوا لي الناس قالوا لي
ـ إنك تدرّس فنون الود ـ
قل لي على حسْب مبذولي
ـ أخوض والاّ عنه أبْعد ؟ ـ
وقول آخر :
اللي مضى كنت ريّس تخْت
ـ وعازتي بالعجل تُقْضي ـ
رضيت بالهم ليّه بخت
ـ والهم عيا بنا يرضى ـ
وقول آخر :
لما تناحيت عن داري
ـ أمشي على الأرض ميت حي ـ
كاتم ولا بحت باسراري
ـ لاجلي طرفت النظر بيدي ـ
وقول آخر :
برمجت في الحاسب الآلي
ـ دقات قلبي وآهاته ـ
ما كان يخطر على بالي
ـ اللي ظهر لي في شاشاته ـ
وقول آخر :
ليتك معي حاضر القالة
ـ يوم الموادع وضيق الخلق ـ
والله ياكنت في حالة
ـ يُرثى لها والعدو يرق ـ
وأخيراً :
صدر حكم مركز التحقيق
ـ في صالحي والخصم يسمع ـ
ولما أتى موعد التطبيق
ـ تغيب مهندس الموقع ـ
ونلاحظ في هذه النماذج من الكسرات الإيجاز والتركيز وعدم التكرار ، وتفرد كل غصن بعـلاقة ورابطـــة تشـده إلى الأغصـان الأخـرى، ونجد في الثلاثة الأغصـان الأولى العـرض والتصـوير ،ولكن الكسرة لا تكتمل بهذه الأغصان الثلاثة بل إنها تَشُدُّ إلى الغصن الرابع ـ الذي يعد سؤالاً أو إجابة أوعقدة أو انفساحاً ـ فتكون الدهشة أو المفاجأة ردة فعل للقارئ أو المستمع ترده إلى تأمل العرض والتصوير ثم التفكير في الآتي .
وهذا ما يجعـل الكسرة معشـوقة .. وهذا ما يجلعها متميزة .. ويجعلها لا تحتمـل أكثر من فكرة ، إنها برقية بين الرسائل إيجازاً ، والحكمة والمثل بين المواعظ والتذكير دقة ، والتوقيع بين القرارات صرامة ، والرشاقة بين العبارات رقة وحركة ، إيجاز لا يخل بالمعنى ، ولا يقصر دون الإيضاح ، وهي كما قال الشاعر مخضور المجنوني :
اللي تميز به الكسرات
ـ عما سواها من المنظوم ـ
أغصانها شبه توقيعات
ـ حاكم يوجه بها محكوم ـ
والإيجاز من سنن الأدب ، قالت ابنة الحطيئة لأبيها : "ما بال قصارك أكثر من طوالك ؟ قال : لأنها في الآذان أولج ، وبالأفواه أعلق . وسئل الزبعري عن سبب قصر أشعاره فقال:لأن القصار أولج في المسامع ،وأجول في المحافل " أبو شارب (1419هـ، ص 277) .
وبهذا تكون الكسرة من الأدب الإيحائي الذي تمثله المقطوعات التي كما يقول الدكتور أبو شارب : "تتبلور فيها معطيات التجربة الشعرية والفكرية والمضمونية والدلالية والشعورية ، فهي بمثابة دفقة شعورية واحدة ، وليدة لحظة بعينها ، تتميز بالتركيز ،وتنأى عن التفصيل والرد والتقدير
والكسرة مقطوعة شعرية ، إطالتها تعرضها للترهل والضعف والانبعاج وخلخلة البناء ، والاقلال من درجة شاعرية مؤلفها ، وهي تحترم المخاطب ، فلا تغرقه بالمقدمات التي لا طائل منها ، ولا بالتكرار الممل ، بل هي عبارات منسقة ومنمقة ،مترابطة ومتناغمة تعبر عن الجد في الخطاب ، وشدة المعاناة ، والحاح التساؤل .
والشاعر المتمكن مثل الصائغ الماهر ، فكلاهما يشكلان من المفردات التي بين أيديهما لآلىء أو كلمات عقوداً رائعة من الحلي والعبارات .
وإذا كان النقد الفني من المقومات والأسس التي تميز الكلام من عموميته إلى أدبيته ،فإن الكسرة من الأعمال الإبداعية الشعرية ، التي تخضع لمعايير النقد الفني والجمالي ، فقد ظهر بين شعرائها من يطلقون عليه "المثمن" وهو الناقد الذي يرجع إليه في الحكم على جودة الكسرة من ضعفها ، وإذا ما اختلف الشعراء حول قضية فنية في الكسرة فإن المثمن يفصل بينهم،ويكون حكمه مقبولاً، وإلى ذلك يشير شاعر اليوم حين قال:
القيل ما عاد في كاره
ـ غاب المثمّن وصار يلم ـ
واللي ادعى القيل مشواره
ـ قصير مهما نشر واهتم ـ
وكان الناشئة يعرضون كسراتهم على المثمن لينظر إليها ويوجههم، ويمضي جيد كسراتهم ويشير بالتعديل الذي يراه على الكسرات الضعيفة، ويحظى رأيه بالقبول.
ويذكر أن شاعراً ينبعاوياً قال:
يا أهل الهوى ما لقيتوا له
ـ لا جل الهوى له معاني ضد ـ
اللي تمادى بمفعوله
ـ درك على القلب ومجود ـ
وقد وجه هذه الكسرة إلى شاعر من بيئته الحضرية(ينبع)، وبعد أيام أتى إليه يحمل الرد التالي:
بيّن هواك أنت "وشْ" هوله
ـ وليا تباين هواك نرد ـ
لاجل الهوى كثرت شكوله
ـ قد ايش لا انك بغيت تعد ـ
فأنكر الأول أن يكون الرد من إنشاء الشاعر، وعند التأكد تبين أنه استعان بشاعر بدوي، أما كيف اكتشف الشاعر الناقد هذا الأمر، فإن كلمة "وش" في البيت الأول لهجة بدوية، تقابلها في الحاضر كلمة "ايش".
ومن ذلك أيضاً أن شاعراً في ملعبة رديح في ينبع قال:
والله الملك قال مفسوح
ـ بس الوزير الذي ناكر ـ
وطَرْفِي سهر من كُثُرْ نوحي
ـ من حال ماني لها خابر ـ
فكان الرد:
اسمع كلامي ومنضوحي
ـ واشهد على قولك الناطر ـ
وبالعون فيكم قصر شوحي
ـ كيف الملك يخلفه قاطر؟ ـ
وموقع النقد كان في قول الأول "بس الوزير الذي ناكر"، حيث أن صاحب أعلى سلطة وهو الملك أجاز وفسح، والغرابة ألا ينفذ الوزير الأوامر، والوزير "قاطر" أي تابع.
وفي مجال أدبيات الكسرة، واحترام منازلاتها وحواراتها في أوساط الكسرة قال الشاعر صالح بن حماد:
شكيت أنا من الهوى موزوم
ـ أبغى اتفكك من انشابه ـ
يوم اتكلم وانا مظلوم
ـ زايد عليّه تلهابه ـ
فأجابه مستهتراً الشاعر ابن مدهون.
هذا فخر والفخر للروم
ـ والنقص في كيس من جابه ـ
حصلّت لك في زمانك بوم
ـ وتحسب الناس تشقى به ـ
ولما كان "ابن حماد" جاداً في طرحه، " وابن مدهون" غير جاد في الرد، حيث نظر إلى "ابن حماد" البدوي نظرة الحضري إلى البدوي، ولم ينظر إلى الندية الشعرية، مما حدا "بابن حماد" إلى الاعتراض وعدم قبول الرد، ولما كان كل من الشاعرين يقود فريقاً في المحاورة فقد منع" ابن حماد" فريقه أن يردد كسرة " ابن مدهون" احتجاجاً على هزليتها ، فما كان من "ابن مدهون" إلا أن يقبل الاحتجاج مقدراً "ابن حماد" ومعتذراً إليه قائلاً:
لا تلومني خاطري مغموم
ـ سلطان عقلي شمخ نابه ـ
انا احسب ان الحلاوة تدوم
ـ أمراً حدث ما علمنا به ـ
ولابن حماد مواقف مشهورة في ميدان الرديح، فقد ذهب ذات مرة إلى تعجيز شاعر كبير (المجيدير) في القافية باعتماد لزوم ما لا يلزم في القافية فقال:
يا الله يا ابا الفرج والغيث
ـ يامِشْقى الدار لا عطشت ـ
تجيبها في عَجَل لحيث
ـ لحيث روحي معه لبشت ـ
فما كان من "المجيدير" وهو الشاعر المجيد المتمكن إلا أن يطلب تغيير فامتنع "ابن حماد" عن التغيير وأصر على موقفه، فانصرف "المجيدير" من الميدان.
لم يكن "المجيدير" مخطئاً في طلب التغيير، إذ الشاعر لا تعجزه القافية، وبخاصة "المجيدير" ولكن ملتقيات الرديح وهو من ميادين الرد في الكسرة تتطلب الانفساح لا التعقيد الذي يفسد انسياب المحاورة، ويسبب إطالة التفكير وتأخر الرد، وملل المرددين من التكرار، أو إحراج الشعراء المتحاورين، فالمسألة ليست تعجيزاً لفظياً ولكنه رياضة فكرية، لاسيما وإن ميادين الرد في الكسرة ميادين متحضرة.
وفي التغطية والتعمية الأدبية أو أستخدام الرمز، وهو ما يرجع إليه الشاعر للحيلة، حينما يمتلكه الابداع وتحول محاذير اجتماعية دون التصريح والافصاح، فإنه يعول على الرمز مستخدماً بعض القرائن والنماذج عبوراً إلى إيصال معناه وإطلاق طاقته الفكرية التي لا يقوى على حبسها.
ومن ذلك أن شاعراً مسناً كان يمتلك داراً واسعة في قرية معظم سكانها من أقاربه وأرحامه. فقام بتأجير الدار لتكون مدرسة للبنات، وكان بناؤها شعبياً وقديماً مما يتطلب الصيانة المتواصلة، وكثيراً ما استدعاه حارس المدرسة التي تتكون هيئتها التعليمية من جنسيات عربية عديدة، وربما اضطر المديرة حرصها أن تقف مع البواب والمالك وهما من المتقدمين في السن ومن أهل الورع والثقة، فيشرح الحارس مجالات الاصلاح والترميم وتؤكد المديرة التي ترى ما لا يرى الرجلان من متطلبات الترميم. وبطبيعة الحال لم تكن العلاقات بين هؤلاء المغتربات والمديرة على ما يرام، وبخاصة المديرة، فعند مغادرة المالك احتجت احدى المدرسات على دخول الرجل المدرسة ورفعت إليها احتجاجها، وسرعان ما انتشر خبر الاحتجاج ومبرراته وبلغ أحد الشعراء من أصدقاء المالك فانتهز المناسبة وقال مداعباً المالك:
دولة شَكَتْ من عضو زايد
ـ في مجلس الأمن حط امضاه ـ
لا هو محامي ولا شاهد
ـ ولا هو حكم والحكم ينصاه ـ
ثم أضاف:
لاجل ايش حوَّم مع القايد
ـ وفي مكتبه جلّسه واقراه ـ
والآن قل لي عن الرايد
ـ وافيدني عن سبب دعواه ـ
فما كان من المالك إلا أن يجيب:
اللي اشتكى صلف وملاهد
ـ يبغى يتريّس على مولاه ـ
وحلف الكومنولث ما يساند
ـ تحرك اسطولهم وارساه ـ
ويفسر الشاعر احتجاج المدرسة ليس على دخول الرجل وإنما نكاية في المديرة فكلاهما متعاقدتان، وسعى لاحتلال مكان المديرة إلا أن قوة المديرة وصلابتها ونزاهتها لم تحقق نتيجة إيجابية لصالح الاحتجاج وحلف الكومنولث المؤلف من المدرسات الأخريات من متعددات الجنسية.
ومن أدبيات الكسرة في المواقف الاجتماعية أن بدوياً قدم إلى إحدى قرى وادي الصفراء لقضاء أيام الصيف بها، وكعادته في اختيار مكان لنصب خيمته، نزل على مرتفع يقع بين مزرعتين تعود أن يقيم خيمته كل صيف على هذا المرتفع، وما أن أحس صاحبا المزرعتين وهما أخوان بحركة نزول البدوي حتى تسابقا إلى تكريمه، وهذا التكريم عادة معروفة في القرى غير أن التسابق كان بدافع الفوز بالتكريم والتقرب إلى البدوي طمعاً في خطبة ابنته الشابة، وانتهى التسابق إلى التقاء الاخوين لدى البدوي الذي كان ينصرف إلى أموره حيناً ويبقى معهما حيناً آخر. وكان التكريم عبارة عن رطب، فقد جنى أحد الأخوين ملء زنبيل من خيار الرطب، أما الأخ الثاني فكان ميالاً إلى المبادرة وإبداً الاهتمام فجذ قنواً كاملاً وقدمه للضيف، وإذ هما ينظران إلى ما جاء به كل منهما في غيبة البدوي وإذا بصاحب القنو يقلل من أهمية ما جاء به أخوه صاحب الزنبيل فيقول:
معراك هذا يجي كيلة؟
فأجابه:
أظن زايد عياره مد
قال: الله يقضيك من ليلة
فأجابه:
إن كان انا اجمع وانت تجد
والكسرة ثقافية اجتماعية تتأثر للتحولات والتغيرات الفكرية والاجتماعية التي تطرأ على المجتمع، تنقل تقاليد المعاصرة إلى الأجيال التالية من خلال الأفكار والأدوات والمعالجات الشعرية، والشاعر لسان حال الفترة الزمنية، يجسد فكر المجتمع بالتصديق والانكار كان منتدى الرديح في ينبع من بين المنتديات الفكرية التي تناولت الخبر بالتحليل، دون ضجيج أو تحضير أو اعلام وإنما تحاور الفريقان المتناظران يتزعم الشاعر أحمد الكرنب فريقاً، ويتزعم الشاعر أحمد الريفي الفريق الآخر، ويبدأ الكرنب:
شيئاً على الخارطة نظم
ـ مهندسه رايق الأفكار ـ
فازوا علينا بغزر العلم
ـ وبوصولهم عالي الأقمار ـ
ومثلما يترجم بل يهندس الكرنب هذا الحدث ويصوره بدقة علمية جغرافية أدبية، معترفاً بتعدد الأقمار وبالتفوق العلمي، يستنكر الريفي أن يكون الأمريكان قد وصلوا إلى القمر، وكان حقاً على المسلمين أن يسبقوا الأمريكان إلى تحقيق هذا الإنجاز، غير أن هذا الاستنكار ليس جازماً أو قوياً فقد اشترط للاعتراف تقديم دليل وتأكيد حيث قال:
لاني موافق ولا متمم
ـ إن كان ما للحديث انوار ـ
دستورنا ليه ما علم
ـ ان الكفر يطلعون اقمارا ـ
وبعد أن حسم
وأدبية الكسرة لم تغفل التفكه والظرف وتجسيد المواقف الاجتماعية كاريكاتيريا ،وفي النماذج التالية شيء من هذه الصور .
لا ود صادق مصارحنا
ـ ولا هجر يبدي لنا المنفوح ـ
الله قسم قِلْ راحتنا
ـ ما بين هات وتعال وروح ـ
***
ما عاد باقي عيال صغار
ـ من يوم يطلع ولد فني ـ
يحفر ويدفن سواة الفار
ـ مقبل ومقفى كما الجني ـ
***
ليت الذي في القلوب يشاف
ـ وافتش لك القلب وتشوفه ـ
قلبك كما قلبي الميلاف
ـ والاكما الفرد و زروفه ـ
***
الحظ عيا معي لا يفوز
ـ والحال عيا معي يرقى ـ
الناس تاكل هريس ولوز
ـ وانا أدور فجل ما القى ـ
***
من شافنا ما يصدقنا
ـ إنا طفارى بدون فلوس ـ
ومن شاف منظر ملابسنا
ـ يظننا من كبار الروس ـ
***
واقلبي اللي غدا نجَّاب
ـ في حارة الباب عناني ـ
من جوهرة محتويها داب
ـ وتكايد الناس بالعاني ـ
***
الله أكبر ثلاث مرار
ـ على الذي شيفته عفنة ـ
الخشم كنه وريثة نار
ـ والعين في الوجه مندفنة ـ
***
في الكيس عند ثلاث فلوس
ـ في سوق بحرة تغديني ـ
قرشين ابا اكل بها معدوس
ـ والقرش الآخر يقهويني ـ
***
انا بلايه صغير مجق
ـ ماسك عصاته بها يومى ـ
فيه اللدانه لسانه حذق
ـ ياحظ من هرجه يومى ـ
***
ما ادري لقيتوا لكم مفلا
ـ والا كمانا إلى ذا الوان(1) ـ
حنا مفلين في عصلا
ـ بلا ورق كلها عيدان ـ
***
لقيت لي ناس ما تقرا
ـ وليا قرت ما تعرف تخط ـ
مقلدة تيسها الاذرا
ـ وهو بمكواه بس يشط ـ
الناس تلبس كبك وانا
ـ الثوب ساده بلا قلاب ـ
البعض يمشي بممشانا
ـ والبعض يمشي بغير حساب ـ
***
كملى عن البيض ما ذقته
ـ ولا لي خبر فيه بالمرة ـ
أمي عن البيت غيبَّتُه
ـ من يوم حطت لها صُرَّة ـ

***
وهذه الصورة من تجليات العصر الاقتصادية ، حين عمدت أم الشاعر التي كانت تربي الدجاج إلى حرمان ابنها من البيض وبيعه ، وجمع ثمنه في الصرة .
أما عن نشأة الكسرة زماناً واسماً فإن الأمور لم تحسم بعد ، وذلك لعدم الوصول إلى دليل قاطع ، فكتب المتقدمين التي بين أيدينا لم تشر إلى شيء من ذلك فأدى عدم التدوين إلى الاجتهاد الذي قد تفسده العاطفة والذاتية ، ولكن عدداً من الباحثين والدارسين المهتمين بالكسرة تمكنوا من جمع حصيلة معرفية عنها ، تجيب عن كثير من التساؤلات التي تثار حول الكسرة .
والكشف عن الحقـائق المتوارية وراء ركام السنين مسـألة شغلت الباحثين من قبل وتشغلهم من بعد ، وليس صعباً على الباحث أن يتوصل إلى حقيقة حدثت ، وضالة منشودة ، ولكن ذلك يخضع للوقت وأدوات البحث .
والكسرة من أنواع الشعر الذي ينشأ باللغة الدارجة لعدم التزام مبدعيه بالضوابط النحوية، وهو محاكاة للشعر العربي الفصيح أوزانه وقوافيه وأشكاله وفنونه ويخضع لمناهج نقده ، ومعايير جماله ،إلا أن المفاهيم الخاصة بأساليبه قد تخذل الناقد غير الملم بها وتخلف تقديراته ، وهي ما تتصل باللغة والعبارات التي تفهم سمعياً أو من السياق .
وإذا كانت نشأة الشعر النبطي لم تحسم تحديداً فما بالك بفروعه كالمجرور والكسرة والحداء وغيرهــا ، وكل ما أمكن التوصل إليه عن نشأته إشــارات مــــن الـجـــاحــظ على أهمية أدب العـــامة ،وإشارات إلى شعر النبط والأشعار الهلالية التي نظمها أفراد لم يكن همهم الأدب ، وإنما هم تشكيل من القبائل العربية استهوتهم المغامرة وحب القتال ولم يكن يشغلهم علم أو مهنة تصرفهم عن الانجراف مع هذه الحملات التي كان معظم أفرادها أميين فأتوا بشعر بين الفصحى والدارج من التعبير ، وقد أشار إلى شيء منه ابن خلدون على أن أقدم قصيدة نبطية وجدت مكتوبة كانت للشاعر أبي حمزة الذي عاش بين القرن السابع والثامن الهجري، وحدد تاريخها من أسماء الأشخـاص والأحداث المشار إليها في القصيدة كما يشير إلى ذلك الدكتور سعـد الصـويان .
والكسرة نتاج لهذا الشعر لأنها منه شكلاً وموضوعاً ، ولكن هذا اللون الشعري يغني في كل منطقة بطريقة مخالفة لغنائه في منطقة أخرى ، فكان من أشعار الهجيني في النصف الشمالي من الجزيرة العربية ، وشعر الكسرة في الجزء الغربي منها وربما غنيت بألحان أخرى في هذا الأنحاء وأنحاء أخرى .
أم ولادتها من الشعر العربي الفصيح فقد عرف الشعر الفصيح قديماً المثنيات الشعرية في الحوار والخطاب ، وفي العصر العباسي ظهر الدوبيت وهو شعر البيتين ، ثم ظهرت الرباعيات وأبرزها رباعيات الخيام ، وهي من شعر البيتين وسُميت رباعية لتكوينها من أربعة أركان صدرين وعجزين ، وأجزم أن رباعيات الخيام من كسرات الفصحى ، لما بينها وبين الكسرة من توافق في الإيجاز والفكرة الواحدة وتكثيف البناء والتشكيل المكون من أربعة أعمدة وتماثل الثلاثة الأجزاء الأولى في العرض والتصوير وانفراد الجزء الرابع بالمفاجأة والدهشة والرسالة الموجهة من الشاعر ، وبين أيدينا ترجمات لرباعيات الخيام قام بالأولى منهما شاعر معروف هو أحمد الصافي النجفي وقام بالثانية شاعر معروف أيضاً هو الشاعر أحمد رامي ، فلنتأمل هذه النماذج :
يقول الشاعر النجفي :
يازبدة الخلان خذ نصحى ولا
ـ تصبح من الدنيا بهمِّ مزعج ـ
واجلس بزاوية اعتزالك وانظُرَنْ
ـ ألعاب دهرك نظرة المتفرج ـ
***
مررت أمس بخزاف يدقق في
ـ صنع الثرى دائباً من دون إنصاف ـ
شاهدت إن لم يشاهد غير ذي بصر
ـ ثرى جدودي بكفي كل خزاف ـ
***
إن القضاء لأمر لايرد وما \
ـ نصيب ذي الهم إلا السقم والألم ـ
ان تقض عمرك مهموم الفؤاد فلن
ـ تزيدَ شيئاً على ما خطَّه القلم ـ
***
ويقول أحمد رامي :
إن لم أكن اخلصت في طاعتك
ـ فإنني أطمع في رحمتك ـ
وإنما يشفع لي أنني
ـ قد عشت لا أشرك في وحدتك ـ
بيني وبين الناس حرب سجال
ـ وأنت ياربي شديد المحال ـ
انتظر العفو ولكنني
ـ خجلان من علمك سوء الفعال ـ
***
أولى بهذا القلب أن يخفقا
ـ وفي ضرام الحب أن يُحْرَقا ـ
ما أضيع اليوم الذي مر بي
ـ من غير أن أهوى وان اعشقا ـ
***
شيئان في الدنيا هما أفضلُ
ـ في كل ما تنوي وما تعملُ ـ
لا تتخذ كل الورى صاحباً
ـ ولا تنل من كل ما يؤكَلُ ـ
***
يا من يحار الفهم في قدرتك
ـ وتطلب النفس حمى طاعتك ـ
أسكرني الإثم ولكنني
ـ صحوت بالآمال في رحمتك ـ
***
تأملوا ، واصرفوا النظر عن الوزن تجدوا العلاقة قوية بين هذه الرباعيات والكسرات.
وفي القرن التاسع الهجري شاع في البلاد العربية قاطبة شعر في شكل مقطوعات قل أن تزيد عن البيتين ، واشتهر شعراء الحجاز بهذا اللون الظريف ، ويركز هذا الشعر على موضوع أو فكرة تطرح بإيجاز إما أن تكون تساؤلاً أو تعجباً أو تعليقاً على موقف مثير أو دعوة للمشاركة ، وكثرت في الغزل لخفتها وطبيعة الشفافية في شعر الغزل ، ومن ذلك أن الشاعر الحجازي الملقب "كبريت" دعا صديقاً لمصاحبته في نزهة فقال :
ياذا المعالي نحن في نزهة
ـ فانقل إلينا القدم العالية ـ
أنت الذي لو تُشْتَرَى ساعة
ـ منه بدهر لم تكن غالية ـ
***
أربعة أركان لهذه الدعوة الموجزة كما هي الحال في الكسرة ، مخاطب ، دعوة ، حرص ورغبة في المشاركة ، وتقدير واعتزاز وقفلة أو ختام مثير للوعي.
وما دام يـجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره فهل نعتبر هذين البيتين كسرة فصيحة ؟ نعم ، لأننا لو نسجناهما كسرة شعبية لكانت :
ياذا العلا الصحب في نزهة
ـ فانقل لنا المقدم العالي ـ
انت الذي لو شْرِي لحظة
ـ منُّهْ بدهرٍ ما هو غالي ـ
***
لم يكن التغيير كبيراً في هذا النسيج ، وهو للتقريب وليس للتجريب. وقال الشاعر ابن شدقم :
لابد للإنسان من صاحب
ـ يبدي لـه المكنون من سِرِّهِ ـ
فاصحب كريم الأصل في عفة
ـ تأمن وان عاداك من شَرِّهِ ـ
***
أربعة أركان أيضا وتحمل صفات الكسرة ومنهجها ، ولو جعلناها كسرة شعبية فستكون كما يلي :
لابد للمرء من صاحب
ـ يبدي لـه اسرار من سِرِّهِ ـ
فاغنم كريم الاصل صاحب
ـ تامن لاعاداك من شَرِّه ـ
***
ويردد هذا النوع من الشعر في المجالس للإثارة والمؤانسة مثل قول أبي ريشة :
فراشة قالت لأخت لها
ـ ما أجمل الكون وما أسنى ـ
لكنني يا أخت في حيرة
ـ من أمره سرعان ما يفنى ـ

وقول الزمخشري :
وقلت لها ما الاسم؟ قالت مديحة
ـ فقلت لها لو أبدل الدال باللام ـ
فقالت : ولكن ذلك اسمي فما الذي
ـ دعاك إلى تغييره؟ قلت إلهامي ـ
والأمثلة على ذلك كثيرة .
ومن هذا المنطلق أخلص إلى أن الكسرة ربما ظهرت خلال القرنين الهجريين العاشر والحادي عشر ، وأنها محاكاة للأشعار ذات البيتين في الفصيح .
وقد أشار الدكتور عايض الردادي إلى أن القرن الهجري العاشر شهد ظهور بعض الكلمات العامية في الشعر الحجازي ، فيقول :"وحذر المثقفون في أواخر القرن العاشر إلى خطر تسرب بعض الألفاظ العامية إلى اللغة الفصحى في شعر بعض شعراء الحجاز الذين عاشوا في عهد أبي نمي بن بركات .. على أن المجتمع الحجازي آنذاك وُجِدَ فيه شعر عامي لم تتناقله المصادر ولكنه ظل متنقلاً على الألسن إلى وقتنا الحاضر" الردادي (1404/1984-874) .
ويرى الدكتور الردادي أن السبب في عدم تدوين هذا الشعر يعـود إلى عاملين :
"أولهما ، ان المدونين من أنصار الفصحى الذين يقفون موقفاً حازماً من تسرب العامية إلى الفصحى وخاصة في ذلك الزمن . وثانيهما، أن أخبار القبائل لم يكن يدون منها إلا الجانب السلبي الذي يرضى الحاكم ، .. ولكن المدونين بدأوا يدونون شيئاً من الشعر العامي في بداية القرن الثاني عشر حينما صار ذلك الشعر لأحد أمراء مكة المكرمة .. وهذا التدوين قليل ولكنه يعطى صورة من التسامح الذي بدأ يأخذ طريقه إلى نفوس المدونين في قبـول الشعـر العــامي في مؤلفـاتهم " الـردادي (1404/1984-877) وأعتقد أن إطلاق كلمة "عامي" على هذا الشعر فيها نوع من التجني على شعرائه وعليه ، ذلك أنه يحمل فكراً لا يصدر من عـامة ، بل هو رفيع الكلام الذي يعبر به الأديب والعالم والحاكم في مجالسهم ودورهم ، إن لم يكن أرفع من ذلك .
ومن الشعر الشعبي ثنائي الأبيات ، والذي يشبه الكسرة من حيث القافية والفكرة وقرابة الوزن ما ينتشر في صعيد مصر ، وهي منطقة تبادل ثقافي قديم لوقوع هذه المنطقة قرب الشاطئ الغربي للبحر الأحمر ووجود منطقة الكسرة على الشاطئ الشرقي له ، فمن أمثلة الشعر الذي يسمونه المربع الصعيدي قولهم :
مسكين من يطبخ الفاس
ـ ويريد مرق من حديدة ـ
مسكين من يصحب الناس
ـ ويريد من لا يريده ـ
وقولهم :
ان صادفك سعد الايام
ـ خلك على الشط ديمه ـ
واحذف عصاتك لقدام
ـ عوجا بتجي مستقيمة ـ
وقولهم :
كسرة من الزاد تكفيك
ـ وتبقى نفسك عفيفة ـ
والقبر بكره يطويك
ـ وتنام جنب الخليفة ـ


وقولهم:
ما يرقد الليل مغبون
ـ ولا يقرب النار دافى ـ
ولا يطعمك شهد مكنون
ـ إلا الصديق الموافي ـ
وقولهم :
أصحى تغرك وترميك
ـ في بحر ماله سواحل ـ
تندم ولا شي ينجيك
ـ وتصير في الناس غافل ـ
وقولهم :
كيد النسا يشبه الكي
ـ من مكرهم عدت هارب ـ
يتحزموا بالحنش حي
ـ ويعصبوا بالعقارب ـ
وأخيراً :
ياقلب لاكويك بالنار
ـ وان كنت عاشق أزيدك ـ
ياقلب حملتني العار
ـ تريد من لا يريدك ـ
ومن شعر الهجيني الثنائي الأبيات مما يوافق شعر الكسرة معنى ووزناً وقافية قولهم :
وان جيت اهيجن ما انا هجان
ـ واريد افضِّي على بالي ـ
وحياة من خضر الوديان
ـ البعد ما يرخص الغالي ـ
***
العذر ما يقري الخطار
ـ ليا صار ما فكوا الريقِ ـ
والعسر ما يدرر الابكار
ـ ليا صار ما به توافيقِ ـ
***
غرست نخلة بأرض صوان
ـ طلعت عناقيد مراتِ ـ
لما استوى حبها يافلان
ـ صارت لغيري حلالاتِ ـ
***
طليت وان القمر بالبيت
ـ بل منزلـه بالسمـا العالي ـ
استغفر الله أنا زليت
ـ كثر العشق غير احوالي ـ
***
البارحة غيبة الميزان
ـ القلب فرّن دواليبه ـ
لا انا طموح ولا هويان
ـ جرح الهوى اش لون اسوي به؟ ـ
***
جيتك من عيون متعني
ـ خوفي من البعد تسلاني ـ
يا ابو مبيسم تقل دمِّ
ـ والطول يا عود ريحان ـ
***
طيري سرح وابعد المسراح
ـ ليّا حلالاك ياطيري ـ
شوحت لـه وابعـد المشواح
ـ واثار عينه على غيري ـ
***
وفي السامري والهجيني .
.
طيري غدا والسلوقي راح
ـ لا واحلالاه ياطيري ـ
أصيح وادعيه بالملواح
ـ واظن طيري لقى غيري ـ
***
ذبحتني يا دقيق العود
ـ وانا احسب انك تداويني ـ
ذبحتني بالعيون السود
ـ والسهلمة يا بعد عيني ـ
***
أما التسمية فقد اختلفت الآراء حديثاً حولها ، "فالكسر هو النزر القليل، ونزر قليل من الشعر ، وقد يُعبر عن التكسير في المساحة والحساب ، وكسر الكتاب على عدة أبواب وفصول" هذا ما جاء في تاج العروس للزبيدي عن هذا الموضوع ، وفي بعض أوساط الكسرة يُقال : لدينا كسرة جديدة تحتاج إلى تكسير أي تحليل وتفسير ، والتكسير يفيد التجزئة ، والكسرة الواحدة جزء من المحاورة في الرد كما هي الحال في الرديح ، ويقول الناقد سعد الجحدلي: "وكثير من الكسرات تعتمد على الإيحاءات والرمزية والتي تجعل منها لغزاً يجب التعامل معه بحذر حتى لا تفقد مميزاتها التي تعتمد على التفسير والتأمل .. ولا شك أن تفسير الدلالة الاجتماعية في شعر الكسرة يُعد مفتاحاً لفهم مسار رؤية الشاعر الفنية والفكرية وهذه من مميزات الكسرة التي تميزها عن سواها من الشعر" عكاظ (العدد568-1416هـ) .
ويرى الدكتور عبد الله المعيقل أن التسمية تعود إلى إنكسار الصوت فيقول: "واسم الكسرة مأخوذ من طريقة تنغيم الصوت أو إنكسار الصوت الذي تغني به في ألحان الرديح" الرياض (العدد9093-1413هـ) .
ويرى آخرون أن الاسم مأخوذ من تكسر الموج عند ارتطامه بالصخور ، ويرى غيرهم أنها سميت كذلك لأنها تكسر حواجز البوح أو الكتمان عند تفجر المعاناة المكبوتة للتعبير عن القلوب الجريحة الكسيرة ، ومنهم من يقول سميت كسرة لأنها كسرت قاعدة القصيدة من الطول إلى الإيجاز.
ونقول : إن تكسر الأنغام والألحان من طبيعة الغناء وليس وحدها ، وإن الكسرة تولد شعراً ويتناقلها الناس وقد يتغنى بها أو لا يتغنى بها ، وتظل كسرة ، والأصل في الكسرة الشعر ، أما تنغيم الصوت أو انكساره في الرديح ، فإن تنغيم الكسرة منقول إلى ساحة الرديح مصاحباً للكسرة ، وتكسر الأنغام يحدث حينما تغنى الكسرة في الرديح أو في أي مكان آخر ، وانكسار اللحن في الرديح يعني انتهاء حوار ولحن ، تمهيداً لبدء حوار آخر وبلحن آخر .
أما القلوب الكسيرة فإن الشعر بعامة للقلـوب الكسيرة دور في انبعاثه ، ولـه تأثير عليها وليست الكسرة وحدها الشعر الذي له هذه الميزات .
وفي المجالس والملتقيات يأتون بجديد الكسرات ، ويشدون إليه الأنظار ، بأن كسرة وردت وانتشرت فأين الشعراء لتكسيرها أي تفسيرها وتحليلها ؟ وهذا ما دعا بعضهم لتسميتها فسرة ، ورد التسمية إلى التكسير.
وعلى أية حال فإن المجال متسع للبحث ، ورحب للطرح ، وإذا لم نكتف برد التسمية إلى النزر القليل كما جاء في تاج العروس ، فإن كل الأسباب المثارة يمكن الأخذ بها للدلالة على كل كسرة بعينها ، فما كان منها تساؤلاً أو استفساراً كان العامل فيه التكسير ، وما كان مقطعاً من حوار كان العامل فيه الجزئية والجزئية تكسير وما كان مثيراً للألم والعواطف رددناه إلى تكسير الجوانح والخواطر ، ولكن الدلالة الشاملة تتمثل في الجزئية والنزر القليل ويليها التكسير للتحليل والتفسير ، وتكسر الألحان يتصل بغناء الكسرة لا بالكسرة شعراً .
والنشأة والمنشأ والتسمية والموطن إنما هي من هموم الباحثين والمؤرخين وما يعني المبدع والمتلقي إنما هو الإبداع بذاته ، فلم يشغل الناس أنفسهم بهذه الأمور التي سيكون الزمن كفيلاً بجلائها ، وبالمناسبة فإن المجتمع الحضري في مكة وجدة وربما المدينة المنورة ، وبخاصة المجتمع النسائي فإنهم يسمون الكسرة "فرعى" وجمعها "فراعن" ، ولقد اجتهدت في كتابي "ألف كسرة وكسرة" ونسبت الفرعى إلى منطقة الفرع ، ثم تبين لي فيما بعد أن أهل الطائف يسمون الكسرة فرعى ، بل وضعها الأديب محمد سعيد كمال ـ رحمه الله ـ تحت لحن "الفن" ، والفرع جزء من شيء ، وجزء من الشجرة ، ومثله "الفن" أو " الفنن" ، وهذه دلالة على جزئية الكسرة ، ومما أورد "كمال" تحت مسمى لحن الفن قول الشاعر محمد القاضي وهو على وزن الكسرة :
ياذا الحمامة عليك النوح

ـ وانا علي التفانيِن ـ
ما دامي اكتب بطلح اللوح

ـ فاسجع بلون من التيِن ـ
كما ل (الأزهار النادية ،
أما منشأ الكسرة فلم يحسم بعد ، لا سيما وأنها شعر يحاكي المثنيات الشعرية في الشعر العربي من حيث عدد الأبيات والمضمون الفكري ، وأن لها نظائر في الشعر الدارج من ذي البيتين تماثلها في الوزن والقافية وعدد الأبيات .
وعلى أية حال ، فإن موطن الكسرة على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأحمر وما جاوره من أودية ومدن وقرى ، وقد تجاوزت الكسرة اليوم هذا المدى إلى مناطق أخرى قريبة منه وبعيدة ، وأجد أن منطقة ما بين المدينة المنورة والبحر الأحمر أكثر المناطق احتفاء بالكسرة واهتماماً بها يقول شاعرهم :
انا اشهد ان الهوى كسرة
ـ وما بقى يا ملا تفسيح ـ

سلطان واوزارها عشرة
ـ واللي بقى مع هبوب الريح ـ

ولكم وافر التقدير والاحترام على المتابعه.
منقزل


 


رد مع اقتباس
 
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:28 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لمنتدى قبيلة عرمان الرسمي 2020م
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
 
 
 

SEO by vBSEO 3.6.0