العودة   قبيلة العرماني > مجالس عرمان العامة > مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص )
 

مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص ) كافة أنواع الشعر - الألغاز الشعرية - النثر - القصص

« آخـــر الـــمــواضيـع »
         :: غليص ولد رماح (آخر رد :آبن درهوم)       :: نظام المزامنة من المنارة سوفت (آخر رد :الاء وليد)       :: جهاز كشف المعادن من المجموعة الاوروبية (آخر رد :الاء وليد)       :: اكثر الصحابيات رواية للحديث (آخر رد :الاء وليد)       :: فضائل القيام في الشهر الكريم (آخر رد :الطاف)       :: من فنون الرد وسرعة البديهه (آخر رد :روضة حنان)       :: عمل يسير وأجر كبير (آخر رد :شروق مصطفى)       :: حقائق غريبة (آخر رد :روضة حنان)       :: إترك بصمتك وتأكد أنها لن تغيب حتى وإن غاب صاحبها (آخر رد :نورحمدي نور)       :: فوائد الفشار للتخسيس (آخر رد :بدور احمد)      

إضافة رد
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-18-2011, 09:45 PM   #21 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)1



في ليلة مقمرة من ليالي أيلول، جلس عادل وزميله أحمد على حافة مؤخرة السفينة يتسامران بين سماءٍ وماء، يؤنس وحدتهما القمرُ بدرًا، وخياله يتراقص تحت سطح البحر بجمالٍ أخاذ على أنغام صوت أم كلثوم من الجانب الآخر للسفينة، كأنه في حفل بين الأحياء البحرية، فتلهب المعاني بالصوت الرخيم والآهاتُ الحارقةُ أشواقـَهما لمن تركوهم في الجزيرة بانتظار عودتهما سالمين على أحر من الجمر، وما استطاعت النسمات العليلة المحملة بأنفاس البحر الباردة أن تخفف من لهيب الحنين في صدريهما، فبدت الحيرة بتهدج صوتيهما بحزن عميق، وهما يبثان شكوى الفراق وهموم الحياة، والنجوم الساهرة تسترق السمع إليهما عن كثب، وتسعد باستنشاق الشذا من حريق القلوب، ونورها يتمايل مع رفات الجفون.
تحدثا طويلا، وأنصتا للست كثيرًا، وطال الليل بهما متأرجحين بين حلم ويقظة، حقيقة وخيال، تلمع في عيونهما بعض دموع يحجرانها رجولة ً بتماسكٍ مؤلم، ما تلبث أن تختطفها النجمات طمعًا بالمزيد من دمع العيون.
هما يعلمان أن الحياة صعبة، متعبة ، مؤرقة، وأن الراحة فيها لا تكون إلا قليلا، ويعلمان أيضًا أنَّ العمل واجب مقدس مهما كان صعبًا ماداما قد اختاراه طواعية فيما قدِّر لهما من حياة أوجدهما الله فيها بظروف بيئية معينة، تفرض عليهما مثل هذا العمل فوق ظهر بحر لا يعرف الرحمة في ساعات الغضب الرهيبة، قبلا به لتحسين ظروف الحياة في جزيرة نائية تعيش قلقة بين فصولٍ أربعة أشدها قسوة عليها الخريف والشتاء.
تذكرا من سافر ولم يعد إليها، من مات حرقًا أو غرقا، ومن أحضر في تابوت، ومن لم يُحْضَر منه سوى حقيبة تبكي فقيدها، تذكرا لوعة الأهل على فلذات أكبادهم وهم يشاهدون جنون البحر الأهوج أيام الشتاء، وكيف ينسون أنفسهم باحتلال الخوف قلوبهم، واهتياج مشاعرهم كلما سمعوا عواء الريح يملأ أجواء الجزيرة رعبا، وينشب أنيابه في أفكارهم بأسوء الاحتمالات، تذكرا من قضى نحبه بانتظار رجوع الربيع، فانتقلت الروح إلى ربها والغائب لم يعد والربيع أطال الغياب.
مضى النصف الأول من الليل، وقبل مضي ساعة من النصف الثاني منه، استدعى الربان البحارة ومساعديه على عجلٍ لأمر هام.
انشغل الجميع بتحضير نقل المازوت للسفينة الأجنبية التي استنجدت بالربان، كي يزودها بالوقود الذي نفذ منها إثر ثقب حلَّ بخزان الوقود، فلم يعد لديها ما يكفي لمتابعة الرحلة في عرض البحر.
تمت العملية بنجاح، وقبض الربان ثمن المازوت بأضعاف ثمنه، وعندما ابتعدت سفينته عن السفينة الأخرى، راح يضحك بصوت عال ووزع على البحارة الحلوى مما جعلهم يستغربون أمره، لم تطل مدة الاستغراب كثيرًا بالنسبة لعادل بعد أن أعلمه أحمد بأن الربان قد باع المازوت مغشوشًا بالماء، وقبض سعره غاليًا، وكان أيضًا قد استغفل مالك السفينة التي يعملان فيها، فسرق منه ثمن كميات وهمية من المازوت قبل الإبحار من الجزيرة، وهاهو الآن يفخر بسرقة السرقة.
أحس عادل بانقباضٍ في صدره مما سمع، استغفر الله كثيرًا، خاف أن ينتقم الله من القبطان فيغرق السفينة بمن فيها، ولكن إيمانه جعله يتماسك بعد وقت قليل، مقررا بينه وبين نفسه أن يترك العمل مع هذا الربان الحرامي عندما يصل إلى أول ميناء قرب اليابسة.
سخر أحمد من سذاجة عادل فقال له: الربان الأمين في هذا الزمن عملة نادرة جدا، ليس هنا فقط، وإن كانت أكثر ظهورًا عندنا عمن سوانا، إنهم يسرقون بطريقة أو بأخرى سرًا وعلانية، يسرقون ثمن المازوت، وثمن الطعام وحتى أجرة البحارة.
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:46 AM   #22 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)10



ظل فكر عادل مشغولا بما أخبره به أحمد حتى ساعة متأخرة من الليل، نهض من فراشه، وعندما هم بالخروج من مهجعه استوقفه صوت أحمد: انتظر ني، أنا أيضًا أحس أرقًا.
جلسا هذه المرة في مقدمة السفينة صامتين وكأن على رأسيهما الطير. كان الجو جميلا وانبلاج الفجر يقترب موعد الإعلان عن مولده، بينما كان القمر يتجه إلى البعيد ليحل ضيفًا على مشاهدين له في مكانٍ آخر. نظر أحمد إلى عادل فرأى فيه قلبًا هو الآخر يسافر إلى حيث وليفه.
افتر ثغره عن ابتسامة خفيفة ويده تهوي فوق الجهة اليسرى من صدره، أحس بنبض قلبه يتسرع رويدا رويدًا، فامتثل لأمر عقله في وقف تسرعه بمحادثة عادل عله يسترجع اطمئنان فؤاده بعد أن لعب به الشوق لأهله وخطيبته لمى، التي وعدها بإحضار مهرها والمبلغ اللازم لإتمام تجهيز بيتهما ومصاريف حفلة الزفاف.
لمى ابنة خالته أجبرته أمه على خطبتها بعد وفاة والدها في الصيف الماضي، عندما كان يغطس في أعماق البحر مرتديًا بدلة الغطس “وهي عبارة عن ثوب كتيم ورأس نحاسي ذو نظارة زجاجية وحذاء رصاصي زنته بحدود 3. كغ ، وأنبوب مطاطي يصل الى الآلة التي تزوده الأوكسجين والتي هي بنفس الوقت تعدل الضغط للغواص” لاصطياد الإسفنج، فتعرض لتأثير الضغط المرتفع تحت الماء فاختل ضغط جسده، ومات بعد خروجه من الماء بوقت قصير، كثيرون هم الذين قضوا نحبهم مثله، وقلما يمر صيف اصطياد دون أن يموت غطاس أو أكثر عدا عمن يصابون بشلل نصفي، أو إعاقة دائمة في أحد الأطراف، ورغم ذلك فاصطياد الإسفنج هو أهم وأسرع وسيلة للغنى، وأكثر اجتذابًا لشبان الجزيرة والغرباء أيضًا.
لم يكن أحمد يرغب بالزواج من لمى لتعلق قلبه بفتاة رومانية وعدها بالزواج، وكان يصرف عليها الكثير من المال، ولكن والدته خافت أن تفقده بزواجه من الرومانية ، كما حدث مع الكثيرين من الشبان الذين تركوا الجزيرة وعاشو في رومانيا بالقرب من زوجاتهم أو عشيقاتهم، فأقسمت بالله إن لم يتزوج من لمى فلن تراه مدى الحياة. وبعد طويل تحدٍ ومقاومة استسلم رغمًا عنه، وانصاع لرغبتها بينما ظل قلبه يلهج بحب أنيتا.
مرت الأيام وبدأ قلب أحمد يحول اتجاه دقاته نحو لمى خاصة عندما علم بأن أنيتا على علاقة بأكثر من بحارٍ من الذين يرتادون الموانئ الرومانية من مختلف البلدان، ومالبث أن تعلق بلمى كليًا، وأحس بأن سعادته لن تكون إلا مع ابنة خالته العفيفة، النقية المحبة له.
لم يكن انتباه عادل شديدًا لحديث أحمد، سمع منه الكثير لكنه لم يعِ منه إلا القليل، كأن بينه وبين سيادة وعيه حاجزًا أقامه الليلة ربان السفينة عندما سرق السرقة دون خوف من الله ولا خجل ممن يعرفون الحقيقة.
أمور كثيرة ظلت تدق في رأسه بمطرقة تأنيب الضمير لسكوته على ما حدث. كان يعنف نفسه بشدة، فترد عنها اللوم باتهام أحمد أيضًا بالسكوت على ذلك، ولكن سكوت أحمد أكبر ذنبًا من سكوته هو، لأن أحمد كان على دراية بحقيقة الربان، ورغم ذلك لم يبدِ امتعاضًا بل الأنكى من ذلك فقد راح يسخر منه ويتهمه بالسذاجة، ومما زاد قهره تأججا قوله بأن معظم القباطنة هم على شاكلة قبطان سفينتهم الغراء التي مازالت تشق طريقها في البحر دون أن تتأثر بما كان، أحس بالغيظ منها لكنه عاد يعذرها فهي أجير مأمور، عليها تلبية تعليمات الربان الموجهة إليها من غرفة القيادة يحركها بها كيفما شاء دون أن تبدي اعتراضًا على ما يريد.
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:47 AM   #23 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)1



ابتسمت الحياة في وجه سراب، بعد سنوات مرَّت رمادية ببؤس مرير. لم يكن هناك ما يملأ حياتها سوى عادل، ولكن بغصة حزن لشعورهما بالحرمان من طفل يناديهما بابا، وماما.
كل شيء بات اليوم أجمل.. لإشراق الصباح بهجة لم تعرفها من قبل.. لشقشقة العصافير فوق أشجار بيتها لحن عذب أصبحت تنصت إليه باهتمام وكأنه لايشقشق إلا لها دون الناس جميعا.. يحملها على أوتار عزفه إلى هناك حيث السعادة في مستقبل قادم ترى فيه طفلها يشارك العنادل أغاريدها، وبينهما عادل بابتسامته العريضة يمتع ناظريه بجمال طفله، ويحضنهما معا بصدر الحنان.
يااااه ما أجمل الغد، سيكون عندها بيت كبير وحديقة غناء.. زهور.. عصافير.. ماء وسماء تشرق فيها شمس محبة لا تغيب، تجمعهم دائما فوق بساط الأمل مع أم عادل المرهقة بالانتظار.. سيكون الغد رائعا حتى ولو لم يشترِ عادل بيتا كبيرا كما تريد.. يكفيهما هذا مادام فيه طفلهما بما سيملأ أجواءه من بهجة وسعادة.
اليوم بدت سراب في حب للحياة يحملها إليه الأمل، راحت تشكر الله طليقة اللسان، فليس هناك أجمل ولا أروع من عودة الحب إلى القلوب التي سكنها الصقيع، فتجمدت فيها دماء المنى، وانتشرت حولها أمراض اليأس فغدت الدنيا كئيبة، حزينة والتشاؤم، يسعى فيها فسادا.
سراب هي اليوم غير سراب الأمس، لن تكره أحدا في هذا العالم، هي تتمنى للجميع السعادة وأن يرتشفوا من منهلها رواء كالذي ملأت به كأسها الظمأى. تحس بأنها تغيرت حقيقة فلم تعد تهربُ بالحلم إلى أدغال الرؤى، بعيدا، بعيدا.. تتوه في أفيائها حائرة، هذه- لا.. هذا- بل تلك.. و… تعود برفة جفنٍ إلى واقع مؤلم، وفي جعبتها بقايا أمنياتٍ تضربها أجنحة الريح بصحوتها.. تتفلتُ من يدها هباء منثورا.
الحمد لله الذي تفضل عليها بالنعم عاهدت نفسها أن تقول لعادل عندما يعود ما لمْ تقلْهُ امرأةٌ لمنْ تحبُّ، وكما خبأ حبها في صدفاتِ النور، فقد أودعتُ حبَّه في سرِّ الضياء والجمال، فابتسمَ الكونُ في وجهي العاشقين، وستغني لهما الحور بهمسِ دقاتِ القلوب، وهما يحضنان أولادهما عصافير محبة وحنانٍ، ولم لا؟!! فمن حقهما أن يفرحا.. يبتسما.. يستنشقا عبير الحياة النقي.. أن يحضنا أطفالهما بحبٍّ واطمئنان.. أن يعانقا عمريهما بتوحد الروح مع الجسد..

بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:49 AM   #24 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)11



يتساقط المطر نوراً.. يسقي الروح العطشى الصاهلةعلى ضفاف الفرح المعشقبالحلم.. المزخرف بالأمل . المعطربالطهور من الزلال..تسمو بها اللحظة بالشكر.. تسجد الجبهة بسكونلخالقِ الممكن والمستحيل، خالقالكون وقوانين الوجود، ويظل النور مضاءً بالفرح..
هناك في الجهة اليسرىقرب شلالٍ على كتفِ الأمل حيث الظلالِ الوارفة، جلست أم عادل وحيدة تناجي ربها بما تجود به نفسها الصبورة، المؤمنة، الخاشعة، الراضية بقضاء الله وقدره.
أحست بحاجةٍ للبكاء.. إحساس غريب يلهب مشاعرها بفقرها للطمأنينة في هذه الليلة.. ما بال قلبها يخفق بحزنه وقد آن له أن يفرح بحَمل سراب؟ّ
رجته قلبا أن يدعها بلا قلق، فهي بحاجةلنبضة سعادة تدفئ حولها برد الدنيا. رجته أن يكون صديقها.. أن يتسلق معها قمم الرضا.. أن يحررها من الحزن فقد أضناها عمرا مديدا.. ابتهلت إلى الله أن يشرِّع لها نوافذ خيرٍ تلقى بها ومن تحبهم النعيم فيالدارين.. تشهق بالبكاء.. يغرق وجهها بطهور الدمع علَّه يطفئ في داخلها شعور الحزن .. علَّه..
عبر أمواج الدموع تجد نفسها هناك على الشاطئ الشرقي تحمل بيدها اليمنى طاقة قرنفل حمراء، وحول عنقها طوق من الياسمين تعبق رائحته العطرية في أجوائها الصباحية والشمس تنهض من نومها بابتسامة برتقالية مشرقة، والنسيم يغازل بجرأة فستانها الوردي.
بخفة شبابها الغض تمتطي صهوة صخرة عجوز مازالت تربض على جفن الجزيرة منذ آلاف السنين.. تتطاول على رؤوس أصابع قدميها الدقيقتين.. تلمح من بعيد فلوكته تتهادى بين الأمواج كعروس خجلى، تقفز إلى صخرة أخرى ومنها إلى أخرى والفلوكة تقترب من الشاطئ.. تراه مبتسما يلوح لها من بعيد، تناديه: هاشم، أطلت الغياب، يجد بالتجديف أكثر.. يقترب.. تنزل عن الصخرة.. تلامس المياه الباردة قدميها، تحس بقشعريرة تسري في جسدها.. تنتبه.. تفتح عينيها.. أين هاشم؟ أين الفلوكة؟ لم تجد شيئا.
انتفضت خائفة.. فتحت نافذة الغرفة المطلة على البحر، لفحت وجهها نسمات باردة، أغمضت عينيها للحظات.. فتحتهما بكسل.. نظرت إلى السماء.. الظلام الدامس يحجب عنها الرؤية.. أغلقت النافذة.. تأوهت بحرقة وهي تقلب كفيها حسرة وألما فأصعبُ مافي النفسِ الإنسانيةِ ألا تعرفَ أينَ هي ..تموجُ الحياة ُبكلِّ صعبٍ ومريرٍ، ويبقى الأملُ شراعَ السفينِ التائهِ في خضَّمِالعمرِ، يبحثُ عن شاطئِ سلامٍ يتخيلُهُ جميلاً.. هادئاً لا تعصفُ بهِ الأعاصيرُ كذاكالذي يتلظى في صدورِ المساكين بين حريقٍ ورمادٍ.
هي لحظةٌ فارقةٌ بين الحقيقةِوالخيالِ ما أمسكَ بها قلب إلا وصلَ برَ الأمانِ، ولكنَّ مجداف َالخيالِ يظلُّأقوى، وفورة َ الدماءِ أشد سفحاً بكفِّ الوعدِ الكاذبِ أحيانًا، وتلاعب الأمواجبسفينِة الأمل وقدْ.. وقدْ.. قدْ تغرقُ بالرُّكَّابِ ..
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:51 AM   #25 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)13





بتوالي الأيام دخلت سراب مدرسة الحوامل لأول مرة، لم يكن انتسابها سهلا فقد انتظرت سنوات عجافا ريثما فُتح لها باب القبول، فبدأت أولا تعرف معنى الوحام، ومن ثم مضت تعيش تفاصيله بندا، بندًا، فراحت تكره رائحة البحر التي تصدر عنه في بعض الأحيان، فتهرع إلى الحمام، وتفرغ ما في جوفها، وأم عادل تلحق بها بقطعة من ليمون حامض قيل بأنها تخفف الشعور بالغثيان.
حارت أم عادل.. لماذا يحصل هذا مع سراب عندما تشم رائحة البحر تحديدا، فهي لم تمر بمثل هذه التجربة سابقا بالنسبة لرائحة البحر؟!!
خافت عليها فقررت اصطحابها إلى طبيب الجزيرة فربما كان في الأمر خطورة، لكن سراب رفضت ذلك واكتفت بالصمت، وكثرة النوم، وقلة الطعام.
كرهت أشياءً كثيرة وأحبت أشياء أخرى لم تكن على علاقة طيبة بها قبل الوحام.
أصبح الشاي يثير اشمئزازها، فلم تعد تطيق تناوله بل بات ذكر اسمه يدفعها للتقيؤ، وكان سابقا من أحب المشروبات إلى نفسها باردا كان أو ساخنا، والغريب أيضا أنها لم تعد تذكر زوجها كثيرا وإن تحدثت عنه حماتها استأذنتها بالذهاب، ودخلت غرفتها خوف إزعاج العجوز بكلمة أو بالتفاتة تصدر عنها محملة بما تحسه تجاه عادل من تغير عاطفي، لكن والدتها أخبرتها عندما التقت بها ذات يوم بأن بعض النساء يشعرن بكره الزوج في الوحام، ومنهن من تترك البيت لعدم استطاعتها رؤيته أو شم رائحة ثيابه، وهذا أمر طبيعي سرعان ما ينتهي بانتهاء مدة الوحام التي قد تستمر أشهرا، فحمدت الله على أن عادل ليس موجودا معها في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الآن.
سألتها حماتها ذات يوم عما تشتهي من الطعام، فقد كانت العجوز تقوم بالطهي في ذلك الوقت لعدم استطاعة سراب شم رائحته المقلي منه والمسلوق، فطلبت ورق عنب بزيت(يالنجي).
جلست أم عادل بنشاط ملحوظ تلف اليبرق بمساعدة ابنتها وجيهة التي راحت تغني بصوت هامس لأمها تظهر فيه مدى لهفتها لاستقبال هاشم الصغير على أحر من الجمر، وعيون أم عادل تهمي بكرم دموع الهناء.
في هذه الأثناء بدأت سراب تحد من خروجها من المنزل، فقطعت علاقتها مع صديقاتها وقريباتها بحجة انشغالها بأمور البيت، فعتبن عليها وبعضهن اتخذن منها موقفًا معاديا، بينما التزمت أخريات بالحياد، وتركن لسراب حرية التصرف ولم يقلن بحقها إلا خيرا.
في عزلتها كانت تحس بالضيق مما ينقل لها عما يقال عنها، ولكنها كانت تعود فتبتسم فالأمر لن يطول كثيرًا، فكانت عندما تحسُّ اختناقًا يحاول اقتلاعها من أعماق الصبر فيحياة صعبة المراس،تجد نفسها برئة الأمل تتنفَّس، وبحضنهتتدفَّأ، وهي على يقين بأن من يُحرَمْ هذا الحضن يُسلبْالسعادة.. فتسبِّح من جعل لكل داءٍ دواء، فدواءُ هو اليأسِ الأملُ بكل نوافذه، وشرفاته وحدائقه الغناء.


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:51 AM   #26 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)1



الجمعة ، صباحا، في أحد موانئ البحر الأبيض المتوسط رست السفينة التي يعمل على متنها عادل.. رمى البحارة الياطر، واستعدوا للنزول إلى اليابسة والتجول فيها والالتقاء برفاقهم الذين سبقوهم إليها، فهم جميعا يعرفون هذه المدينة جيدا، وقد شهدت للبعض منهم مغامرات كثيرة، وهناك من له فيها بيت لزوجة وأولاد، أو لصديقة يقيم عندها ريثما تفرغ السفينة حمولتها في الميناء، وتُحمَّل بغيرها من البضائع التي تنقلها إلى ميناء آخر.
أنهى عادل أعماله المكلف بها في السفينة ونزل برفقة أحمد إلى المدينة لمحادثة والدته وسراب هاتفيًا، فقد هده الشوق إليهما، بعد مرور زمن طويل على سفره دون أن يستطيع الاتصال بهما لعدم السماح لهم بالنزول إلى المدن الساحلية التي مروا بها، بموجب قانون بعض الدول الذي يمنع البحارة من مغادرة السفينة، ومن ناحية ثانية فإن القبطان لا يسمح باستخدام الراديو إلا لأمور هامة جدا، إضافة إلى رفض عادل مبدأ الحديث عن طريق الراديو واستماع الناس المنتظرين محادثات ذويهم لما يدور بينه وبين أهله من كلام.
مشى عادل بهدوء يمتع نظره بجمال المدينة وما فيها من رقي حضاري، ونظافة شوارع والتزام الناس بقواعد السير والنظام في كل شيء، لكن رغم ذلك كانت صورة جزيرته لا تفارق مخيلته.
وهو في الطريق لفت انتباهه فستان أخضر في إحدى الواجهات المنتشرة بكثرة في هذا الشارع الكبير، لم يعطِ اهتماما للمانيكان الجميلة التي ترتديه بل تخيله على زوجته التي يحب. طلب من أحمد أن يرافقه لشرائه، فاعتذر لأنه هو الآخر قرر شراء (جاكت) جلد طويلة للمى رآها في واجهة أخرى فأعجبته.
افترقا على أمل اللقاء في الكافيتيريا التي يجتمع فيها البحارة من أبناء الجزيرة ومضى كل إلى ما يريد شراءه.
وعندما عادا إلى السفينة كان عادل غاضبا والضيق يعلو وجهه، حاول أحمد تهدئته فلم ينجح. رمى الكيس الذي كان فيه الفستان وبعض الأغراض التي اشتراها لوالدته وسراب ووجيهة فوق السرير في غرفتهما، وجلس مقطبا بينما راح أحمد يلطف الجو بإلقاء بعض النكات المضحكة إلى أن بدأت علامات الارتياح تظهر على وجه عادل فقال له:
- لا تشغل نفسك بما لا يخصك، كل إنسان هو حر بحياته يفعل ما يشاء ولن ينزل أحد مع أحد في قبره.
- ما كنت لأهتم لولا أنه أراد أن أشاركه في خطيئته، لقد فقد عقله.
- ولِماذا الغضب، فأنت رفضت أن تقرضه المال، وانتهى الأمر؟
- ما يؤلمني يا أحمد أنه يضيع عمره وماله في الحرام تاركا زوجته وأطفاله للمحسنين، أهذا عدل؟
- أمثاله كثر، ولا يهمهم إلا الساعة التي هم فيها، فادعُ لهم بالهداية؟
- أي هداية؟ وهو يريد أن يقترض المال منى من أجل صديقته التي يقيم عندها، لتدفع قسط المدرسة لولدها بحجة أنه عمل إنساني، تصور يا أخي سيدفع لأولاد الصديقة، بينما أولاده بأمس الحاجة للمال. لم يعد يستحي والله.
- سيرته باتت علكة بأفواه الناس، مثله ومثل غيره.
- الله يعافينا مما ابتلى به الكثير من خلقه؟
- آمين. المهم أنك تكلمت مع الوالدة والحمد.
- أجل، ولكن أخونا أزعجني والله.
- لا عليك، أنا أيضا تحدثت مع الوالدة وكانت لمى عندها فضربت عصفورين بحجر.
- عندما سمعت صوت أمي شعرت بغصة تخنقني، تمنيت لو أعود إلى الجزيرة، ولكن عندما تكلمت مع زوجتي غيرت رأيي، وصممت على متابعة السفر لتأمين ثمن البيت الجديد أو مبلغٍ منه لكن لا أدري شعرت بأن هناك شيئا ما تخفيه أمي عني.. سمعت في كلامها نبرة جديدة أرجو أن تكون خيرا.
- كل خير بإذن الله. قل الله
- الله ، لا إله إلا الله


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:54 AM   #27 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)15



سرق الخوف أمنها، وبدد صفوها، فاتسعت عيناها وهي تخرج من غرفتها إلى بهو الدار والهواجس تملأ رأسها، رأت حماتها هي الأخرى بحالة قلق أشبه بالذعر:
- ما الذي يحدث في الخارج يا امرأة عمي؟
- لاأدري، اهدئي سأعرف ماهناك.
- صراخ رجال يملأ الأجواء.. سأنظر من خلف النافذة لمعرفة ما يدور.
- لا.. قد يراك أحد.
- كيف سيراني من خلف النافذة؟
- قلت لك لا تفعلي، سأرتدي ثياب الصلاة وأخرج، ناوليني الغطاء، أسرعي.

تزداد الأصوات علوا مختلطة بأصوات نساء.. تفتح درة باب البيت.. تمد رأسها إلى الحارة.. تلتفت إلى سراب.. تشير لها أن لا تقتربي وهي تغادر الدار.. يلتهما الزقاق.. تمتد يد رجل من الخارج وتغلق الباب.
مازالت الأصوات تعلو.. تعلو.. يختلط الحابل بالنابل.. أصغت من خلف الشباك.. وقع في سمعها صوت امرأة:
- أنت السبب يامنافق، لو أنك أحسنت تربية ابنك لنجت ابنتي من أنيابه القذرة. والله ثم والله، لن نسكت على هذا الأمر، وسترى ما الذي سيحل بك وبابنك.

إنه صوت جارتهم سجية.. أجل هي سجية أم الصبية شهلة، لكن ما الذي حدث؟ الفتاة مخطوبة لابن عمها، وسيتم الزواج بعد شهر، لابد أن الذي أثارها خطب جلل، فهي امرأة متزنة ومن عائلة يحترمها الجميع، ويقال بأنها حليمة، فهيمة.
انتظرت عودة حماتها لكن الأخيرة لم تعد إلى البيت رغم عودة الأجواء إلى هدوئها المعتاد.
توضأت سراب وصلت فرض العصر، وجلست تحتسي قهوة ما بعد العصر، يؤنس وحدتها ما يقوم به الجنين في بطنها من حركات مفاجأة كانت تضع فوقها يدها وتقرأ المعوذتين والسعادة ترسم فوق وجهها ابتسامات الرضا.

منذ مدة احتجبت سراب عن الناس ولم تعد تظهر لأحد، فهي تخاف كثيرا على حملها، وتخشى أكثر أن يرى الآخرون دهشتها وتأملها بما لم تعرفه سابقا، فالتأمُّلُ بشيءٍ غريبٍ يحدثُ لصاحبِهِ دهشةً تجعلُ الآخرينَ في حَيرةٍ من أمرِه.. منهم من يتهمُهُ بالاضطرابِ، وآخرونَ بالجنون، والبعضُ يظنُّهُ حالماً يرنو لأملٍ بعيدِ يوشكُ أنٍ يصطادَهُ بعينينِ مشدوهتينِ بروعةِ الصًّورة وربما كان ضربا من خيال..
سراب تؤمن حقيقة بما علمتها أمها وكانت تردد على مسمعها قولا حفظته عن ظهر قلب"إذا شعرتِ بأنك متشوقة للقاءِ فكرةٍ ما خطرتْ في بالك، فلا تمانعي باعتناقِها إذا كانتْ مفيدةً لك ولمنْ حولك.. ازحفي إليها بكل ما أوتيتَ من قوةٍ إن عجزتِ ركضاً، أو مشياً، وتأكدي بأنك لن تتلوثَي بالغبارِ لأن الفِكرَ الطاهر يكون دائماً نظيفا". هي تعلم بنظافة حملها فلِمَ لا تتعلق بفكرة المحافظة عليه وعلى مستقبله بما سيحضره عادل من مال؟
وعندما عادت أم عادل إلى البيت سألتها عما حدث. هزت المرأة رأسها بأسف واختصرت ما جرى بعدة كلمات، لعنت فيها الشيطان الذي يلعب بعقول الشباب فيقترفوا الإثم عن طيب خاطر، وعند المطالبة بإصلاح الخطأ والإسراع بالزواج يقولون: لم نجبر أحدا على شيء.
قالت سراب بأسف: لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى لو كانت خطيبته يرفض ذلك؟
- أجل يا ابنتي لأنه يقول، من تُسَلِّمُ نفسها قبل الزواج لا تُستأمن على عرضٍ بعده.
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 09:26 AM   #28 (permalink)
عرماني اصل وفصل
عضو جديد


الصورة الرمزية عرماني اصل وفصل
عرماني اصل وفصل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3149
 تاريخ التسجيل :  Jul 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (10:03 AM)
 المشاركات : 20 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)1



بيض الله وجهك يا زاهية بنت البحر


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:51 PM   #29 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)1



وبيض الله وجهك يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه أخي المكرم عرماني أصل وفصل
أختك
زاهية بنت البحر


 


رد مع اقتباس
قديم 07-26-2011, 03:55 PM   #30 (permalink)
زاهية
عضو مشارك


الصورة الرمزية زاهية
زاهية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3125
 تاريخ التسجيل :  May 2011
 أخر زيارة : 07-26-2011 (07:15 PM)
 المشاركات : 43 [ + ]
 التقييم :  10
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)16



في عرض البحر كانت السفينة تواجه عاصفة هوجاء هبت عليها برياح شديدة في غرب المتوسط، في نقطة بحرية تفصلها عن اليابسة مسافات طويلة.
حركة غير طبيعية ملأت السفينة فبدا البحارة في ذهول، والقبطان في غرفة القيادة مستنفر الفكر والأعصاب لمواجهة ما قد تتعرض له السفينة من أخطار في هذه الأجواء الكئيبة التي تخلع القلوب من أعماقها، وتلقي بها في أحوال لا تليق بالرجال.
في هذه الظروف يجدون أنفسهم رغمًا عنهم يعيشون لحظاتهم ارتحالا في المدى، يتقبلون كلَّ ما يخطر في بالهم من عثراتٍ تحجب عنهم أمن السفر، وعندما يخطون أولى الخطوات يبدون بعدها بعين مفتوحة، يسترقون السمع لهمسات الوهم، وهم يغذون السير باتجاه الهدف، وحدهم الشجعان منهم يتابعون الإبحار في المجهول، بينما يتساقط الجبناء غرقى في أعماق البحار.
يمضي الوقت غير مكترث بشيء، يقطع جموعَ المارين به سعادة أو تعاسة، فمن يفهم لعبة الوقت يكسب منه كثيرًا، فكل شيء محتمل في دنيا غريبة عجيبة نفسر الظاهر منها حسب المعطيات التي تصلنا، فنقف عندها، ويظل المجهول أبعد من أن يطاله فكر أو حسابات بأي حال.
كان عادل في الحقيقة يشعر بالخوف أحيانا عندما يجد السفينة في شاهق من الماء ثم تنحدر بسرعة في واد منه وأمامها جبل مائي عليها تسلقه ببطولة قبل أن يطمرها بأحماله الهائلة من الماء المالح.
الآن هم بين الخطر واليأس يبتهلون إلى الله حتى سارق السرقة يقوم بذلك ضعفا، فهم بين قبضة واقع لا يدري أحد كيف تكون فيه النهاية، فكم من سفينة ضخمة اخترقتها الأمواج وأرستها في بطن البحر بمن وما فيها قبل أن يصل إليها الإنقاذ من إحدى الدول أو السفن القريبة منها.
كانت الأمواج تظهر كغول ضخم فاغر الفم لابتلاع السفينة، من ينجُ ويعود إلى أهله يحدثهم عن رعب لم يذقه إنسان إلا شاب رأسه قبل وقت المشيب. لكن هناك من اعتاد على تلك العواصف فبات الأمر عنده غير ذي أهمية فيعلن تحدي البحر بكلمات لا يتفوه بها إلا زنديق.
نسي زوجته وأمه وحتى جزيرته، وشغل نفسه بالدعاء وهو يؤدي مع البحارة ما يطلبه منهم الربان الثاني من أعمال.
كان أحمد يركض من مقدمة السفينة إلى مؤخرتها ثم ينزل إلى العنبر ومنه إلى غرفة الماكينات التي تسير السفينة، لم يكل عن الحركة كنحلة نشيطة جعلت الربان يثني عليه عندما هدأت العاصفة ووعده بمكافأة مالية . فرح أحمد بوعد الربان له بالمال ولو كان قليلا فقد يساعده بقضاء حاجة من حاجات التحضير للزواج.
تعمقت الصداقة بين عادل وأحمد حتى أصبحا كأخوين من أم وأب واحد، فهناك خيط شفاف لايراه إلا الأوفياء، يربط القلوب النقية الصادقة برباط غالٍ جدًا لا يملك ثمنه إلا الكرام من البشر، أولئك الذي يعرفون قيمة أنفسهم من خلال قيم الناس في قلوبهم، ولكن للأسف هم قلة، ورغم ذلك فبهم يصبح للحياة طعم جميل ومعنى محترم.
وعندما سقط أحمد في عنبر السفينة، وفارق الحياة ظلَّ عادل يبكيه عدة أيام دون أن يعرف الرقاد له جفنا.
ودع البحارة رفيقهم أحمد بالدموع والزهور.. ونقلته الطائرة من أحد مطارات الغرب إلى بلده، ترافق تابوته حقيبته الصغيرة والكيس الذي وضع فيه (جاكت) لمى، ودفن في الجزيرة وسط دموع أمه وخطيبته وجميع أهله ومعارفه.
لقد تعودت الجزيرة على استقبال أولادها البحارة أحياء وأمواتا بدموع الفرح، أو بدموع الحزن والفقد وهم في ربيع العمر..
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع


 


رد مع اقتباس
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شاطئ البحر وهو متجمد غزلان المجلس العام 9 08-07-2011 10:25 AM
صور لنجم البحر المقحم المجلس العام 13 07-22-2011 04:39 PM
البحر الميت راعي الوفا مجلس السفر والرحلات البرية 4 12-21-2010 04:56 AM
عمر البحر ماشال هم السفينه عرمان العرماني مجلس الأدب ( شعر ، نثر ، قصص ) 20 11-30-2010 05:29 PM
من يعيش على الأمل لايعرف المستحيل عرماني وافتخر المجلس العام 20 11-27-2010 12:32 AM


الساعة الآن 05:44 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
الحقوق محفوظة لمنتدى قبيلة عرمان الرسمي 2020م
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
 
 
 

SEO by vBSEO 3.6.0