علم التأريخ التأريخ في اللغة تعريف الوقت مطلقا يقال أرخت الكتاب تأريخا وورخته توريخا كما في الصحاح قيل هو معرب من ماه روز وحرفا هو تعيين وقت لينسب إليه زمان يأتي عليه أو مطلقا يعني سواء كان ماضيا أو مستقبلا وقيل تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع من ظهور ملة أو دولة أو أمر هائل من الآثار العلوية والحوادث السفلية مما يندر وقوعه جعل ذلك مبدأ لمعرفة ما بينه وبين أوقات الحوادث والأمور التي يجب ضبط أوقاتها في مستأنف السنين وقيل عدد الأيام والليالي بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر وإلى ما بقي وعلم التأريخ هو معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم إلى غير ذلك .
وموضوعه أحوال الأشخاص الماضية من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسلاطين وغيرهم والغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية وفائدته العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن ليحترز عن أمثال ما نقل من المضار ويستجلب نظائرها من المنافع وهذا العلم كما قيل عمر آخر للناظرين والإنتفاع في مصره بمنافع تحصل للمسافرين كذا في مفتاح السعادة .
وقد جعل صاحبه لهذا العلم فروعا كعلوم الطبقات والوفيات لكن الموضوع مشتمل عليها فلا وجه للإفراز والتفصيل في مقدمة الفذلكة من مسودات جامع المجلة وأما الكتب المصنفة في التأريخ فهي تربوا على أكثر من ألف وثلاثمائة
قال خليفة بن خياط وبالتأريخ عرف الناس أمر حجمهم وصومهم وانقضاء عدد نسائهم ومحل ديونهم يقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج.
قال خليفة حدثنا يزيد بن زريع قال إنا سعيد بن قتادة يسألونك عن الأهلة فأنزل الله ما تسمعون { هي مواقيت للناس والحج } ومحال ديونهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه قال { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب } . وقال القرماني في مقدمة كتابه أخبار الدول وأثار الأول في التاريخ عن معرفة علم التأريخ قال الفصل الأول في بيان معنى التأريخ وموضوعه أعلم أن علم التأريخ هو الأخبار عن الكائنات السابقة في العالم والحادثات سواء عهد حالها أو تقادم فهو السبيل إلى معرفة أخبار من مضى من الأمم وكيف حل بالمعاند السخط والغضب فأل أمره إلى التلف والعطب وكشف عورات الكاذبين وتمييز حال الصادقين وقال ولولا التواريخ لماتت معرفة الدول بموت ملوكها وخفي عن الأواخر عرفان حال الأول وسلوكها وما وقع من الحوادث في كل حين وما سطر فيها كتب به من فعل الملوك وأنه لم يخل من التواريخ كتاب من كتب. الله المنزلة فمنها ما ورد بأخباره المجملة ومنها ما ورد بأخباره المفصلة واختلفوا في معنى التأريخ ذكر صاحب مفاتيح العلوم التأريخ النظام وهو معرب وعن الصولي تأريخ الشيء غايته ووقته الذي ينتهي إليه ومنه فعل فلان تاريخ قومه أي انتهى إليه شرفهم ومعرفة غايتهم وقال الجواليقي في المعرب أن التاريخ ليس بعربي وإشتقاقه من الأرخ وهو ولد البقرة الوحشية إذا كان أنثى بفتح الهمزة وكسرها كأنه شيء حدث كما يحدث الولد وفي مفاتيح العلوم التأريخ كلمة فارسية أصلها ماروز فعرب ويقال أن الأرخ الوقت والتاريخ كأنه التوقيت وفي نور المقاييس وتاريخ الكتاب ليس عربيا ولا سمع من فصيح وفي الصحاح التاريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله وأرخت الكتاب يوم كذا وورخته بمعنى واحد وقد فرق الأصمعي بين اللغتين فقال بنو تميم يقولون ورخت الكتاب توريخا وقيس تقول أرخته تاريخا وقال ابن عباس رضي الله عنه قد ذكر الله تعالى التاريخ في كتابه فقال { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال الدكتور إبراهيم السامرائي في النسخة المطبوعة كان العرب على علم بشيء يتصل بهذا فقد كانوا في جاهليتهم يؤرخون بأيامهم وبالأحداث الشهيرة التي كانت تقع لهم غير أن العصر الإسلامي وما جد فيه من أسباب الحضارة اقتضى أن يكون المسلمون مجتمعين على طريقة واحدة في تاريخهم فانتهوا إلى ما انتهوا إليه وفي هذه الرسالة الموجزة عرض للمراحل التي مرت وكيف استقرت الحال على اتخاذ الهجرة بداية لتاريخ تؤرخ بها الأحداث والوقائع
ومن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى هذا وأن يكون للمسلمين شيء واضح في هذا السبيل فقد تقدمت أحوالهم وكان لعلوم المسلمين من القرآن والحديث تأثير في تقدم مادة التاريخ وكتابة التاريخ وما أظن أن أحدا يجهل مقدار ما أفاد علم التاريخ من طريقة المحدثين في الرواية والنقل والضبط. وتتعلق مادة هذه الرسالة ب التاريخ وكيف اهتدى المسلمون منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة التي أرخوا بها وكيف استقروا على أن تكون هجرته صلى الله عليه وسلم مبدأ لتاريخ المسلمين.
الشماريخ في علم التاريخ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي